سوريا في مجلس الأمن
تصاعدت مؤخرا وتيرة الأحداث في سوريا ، حيث نشهد يومياً ارتفاعا في أعداد الشهداء من المدنيين ، وفي أعداد النساء المختفيات أو المختطفات ، وغير ذلك من أشكال وألوان العذاب والتعذيب ، بهدف إخماد ثورة شعب حر مضى على انطلاقتها أكثر من عشرة أشهر وهي مستمرة بنفس الزخم النابع من إيمان قوي بأحقية أهدافها ، وأحقية مطالبها في الكرامة والعدالة والحرية للتخلص من نظام مجرم جثم على صدور السوريين قرابة الـ٤٠ عاماً، معتمدا على نهج العصابات التي تنهب وتسرق وتسطو ، فاعتقل وقتل كل من تجرأ على قول كلمة حق أو أبدى رأيا حرا ، ولعلَّ هذا الإجرام أكثر ما تجلى في هذه الثورة المظفرة التي كسرت حاجز الخوف فانطلقت صيحات العزة والكرامة من أفواه أرعبت أصداؤها نظاما لا يطيق قولا مضادا لقوله ، ولا فعلا معاكسا لفعله ، فتبدى الإجرام ، - أكثر ما تبدى - في الجمعة الفائتة : جمعة " الدفاع عن النفس " .
جاء هذا التصعيد في العنف والقتل والتعذيب - بحسب مراقبين – نتيجة لتحرك الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري التابعين لماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري ، والذي يُقال - على سبيل السخرية - بأنه قرر خلع " بيجامته " بمعنى : أنه اتخذ قراره بإدخال عناصره لإنهاء الثورة مهما كانت النتائج والعواقب ومهما بلغ عدد الضحايا.
منذ بدء الأحداث والنظام يحاول اللعب على ورقة الحرب الطائفية لأنها حجته في دخول الجيش والآليات العسكرية إلى المدن والقرى السورية.. ولعلَّ المجزرة الأخيرة التي وقعت في " كرم الزيتون " في حمص الخميس الماضي على يد شبيحة النظام ، والتي ذهب ضحيتها ١٤ شخصاً من أسرة واحدة بينهم نساء وأطفال ، هي أكبر دليل على قباحة وبشاعة هذا النظام ومدى تورطه في عمليات الخطف والقتل والتنكيل.
هذه المجازر المرتكبة بحق المدنيين في سوريا هي ما جعل بعثة المراقبين العرب ( التي جُمدت لاحقا ) ورئيسهم محمد الدابي يعترفون بأن : " الأمر خرج عن نطاق السيطرة " مما دفع الجامعة العربية لطرح مبادرة عربية جديدة بشأن الأزمة في سوريا تتضمن : تنازل الرئيس السوري عن السلطة لصالح نائبه فاروق الشرع ، على أن يشكل الأخير حكومة وحدة وطنية تهيء لانتخابات رئاسية ديمقراطية.. وقد حمل الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ورئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم مسودة هذه المبادرة إلى مجلس الأمن للتصديق عليها ، ولنيل اعتراف المجتمع الدولي بها على الرغم من كل محاولات الجانب الروسي عرقلة هذه المساعي وإعاقة أي قرار دولي من شأنه أن يدين بشار الأسد ونظامه، ولم يكتفِ الروس بذلك بل تمادوا في موقفهم إلى درجة منح الرئيس السوري جائزة اتحاد الكتاب الروس ، وهو ما اعتُبر امتهاناً لمسؤولية المثقف الأخلاقية والسياسية ، وإهانة للشعب السوري وللثقافة الروسية.
بالنسبة لروسيا ، فإن موقفها تجاه الأزمة في سوريا لا يبرره إلا مصلحتها بالضغط على أميركا وأوروبا ومقايضتهما مقابل دعم فوز فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية في شهر آذار/مارس القادم.
إذاً : هي مصالح دول ليس إلا ، لا شأن لها بالكوارث الإنسانية التي تتعرض لها الشعوب ، ولا شأن لها بمصير ومستقبل شعب أعزل يذبح كل يوم على مرأى ومسمع الأمم المتحدة ومجلس أمنها .
د. فطين البداد