وصول الإسلاميين للسلطة لا يعني الإستحواذ عليها
يتخوف البعض من ثورات الربيع العربي على اعتبار أنها " ربيع إسلامي " نظراً لفوز الاسلاميين في الانتخابات البرلمانية في كلٍّ من تونس ومصر اللتين هما من أوائل البلدان العربية التي شهدت ثورات شعبية ضد الأنظمة الديكتاتورية .. إضافة إلى الموقع المتنفذ الذي يحظى به الإسلاميون في ليبيا واليمن وهذه من بلدان الربيع العربي أيضاً..
أما في سوريا ، فيلعب النظام على ورقة الإسلاميين والسلفيين وفكرة الجهاد الإسلامي فتبث آلته الدعائية ما يثير القلق والخوف لدى الأقليات في سورية من مسيحيين ودروز واسماعيليين وحتى السنة اليسارية العلمانية التي تطرح تساؤلات حول مستقبل التعددية ومفهوم المواطنة ومستقبل الديمقراطية.. ، وهذا الذي يفعله النظام من شأنه أن يثير الفتنة والنعرات الطائفية التي تؤدي - بالنتيجة - إلى حرب أهلية هي أهم ما يريده النظام السوري حتى يضمن بقاءه واستمراريته.
لكن المطل على المشهد من داخله عبر قراءة موضوعية يجد أن هذا الربيع هو ربيع عربي بامتياز ، وأن صفة " الإسلامي " إنما تطلق فقط على النتائج الانتخابية.. فكما في تونس كذلك في مصر (كونهما النموذجين اللذين برزت فيهما الحركات الإسلامية) فإن من قام بالثورة أساساً وقادها هم قوى شبابية عانت ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية فثارت وضجت المياديين بالملايين ، وطالبت بالاصلاح ومحاربة الفساد ثم تصاعدت المطالب لتنادي بإسقاط النظام وخلع رأس السلطة الحاكمة ومحاكمتها.
إذن ، من صنع الثورة هنا وهناك هم قوى شبابية غير مؤدلجة استطاعت عبر وسائل الاتصال الحديثة النجاح في استقطاب الجماهير العريضة من مختلف الأطياف والفئات والاتجاهات.
لكن مما لا شك فيه أن من فاز مؤخراً في الانتخابات البرلمانية في كلٍّ من تونس ومصر هم ليسوا هؤلاء الشباب، وإنما الإسلاميون ، ويرجع السبب وراء ذلك لكون الحركات الإسلامية المذكورة غير منعزلة عن المجتمع واحتياجاته ومتطلبات أبنائه ، فلهذه الحركات نشاطات اجتماعية واقتصادية وثقافية جذرت نفوذا متصاعدا مع مرور الزمن ، وخاصة في البيئات الفقيرة والمحافظة ، وما أكثر تعدادها وامتداد مساحتها في كلا البلدين ، وهي بيئة جاءت كنتيجة حتمية لحكم ديكتاتوري فردي سرق ونهب ثروات الناس وجعلهم يذوقون الأمرين على مختلف صعد الحياة .
هذه نقطة البداية فقط ، فالمستقبل مرهون من الآن وصاعداً - بعد صعود نجم الديمقراطية والحرية - إلى أداء القوى السياسية وإلى انتخابات حرة، فإذا أثبت الاسلاميون نجاحهم في الارتقاء بالوطن اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وآمنوا بالتعددية والمواطنة فهم مستمرون، وإذا فشلوا في النهضة الاقتصادية وفي احتضان جميع فئات المجتمع بكل أطيافه وانتماءاته فهم خاسرون لا محالة في أي انتخابات قادمة .
لذلك ، وجب الإعتراف بأن الإسلام السياسي ليس سوى جزء من واقع المجتمعات العربية ، ووصوله إلى السلطة لا يعني بالضرورة الاستحواذ عليها والقضاء على مطامح وأهداف الشعوب في الحرية وفي مستقبل أكثر تقدماً وديمقراطية.
ولعلَّ ما يثير القلق اليوم في ظل هذه التحديات الجمّة التي تواجهها شعوبنا العربية، أن كثيرا من هذه الشعوب تتخذ الدين عقيدة فقط ، بحيث وقع الطلاق بين " الإعتقاد " من جهة ، و " السلوك " من جهة أخرى ، وهو ما يعتبر مثلبة المثالب بحق .
لكل ما سبق ، فإنه لا موجب للخوف من فوز الإسلاميين ، لأن الإنتخابات ربح وخسارة ، فإن حكموا اليوم ، فقد لا يحكمون غدا ، وقد يحكمون ، فتداول السلطة هو جوهر الديمقراطية .
د. فطين البداد