... وهنا بيت القصيد
من يقول اليوم بأن الأردن نجا من رياح الربيع العربي التي تجتاح المنطقة فهو مخطئ تماماً.. هذا ما قاله وأكد عليه دولة رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري في لقاء له بثته مؤخرا إحدى المحطات الفضائية .. فالأردنيون ينادون بالاصلاح منذ بل قبل بداية هبوب رياح الربيع التي لا بد وأن تطاله بصورة أو بأخرى ، فهو ليس بدعا من الدول وشعبه جزء لا يتجزأ من شعوب المنطقة بآمالها وطموحاتها ...
ولعلَّ ملف الفساد هو الأكثر حضوراً على الساحة الأردنية، فما غلاء الأسعار وتكاليف المعيشة الباهظة والبطالة المنتشرة والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الأردنيون إلا نتيجة أو جزءا من نتيجة خلقها وتسبب بها الفاسدون و " الحرامية " .
لذلك ، فقد كانت وما تزال أولى مطالب الشارع الأردني بالإصلاح هي مكافحة الفساد ومحاربة الفاسدين.. وهذا ما تعرضت له مرارا في هذه الزاوية الأسبوعية ، وهو ما سأستمر في عرضه والتعرض له شأني شأن كل أردني همه البلد ومستقبلها ويحزنه أن لا يحاسب مفسدوها وأن لا يراهم الشعب خلف القضبان .
إن القضاء على الفساد بشكل مبرم لا يتم ولا يمكن أن يتم إلا بكشفه على رؤوس الأشهاد ومحاكمة " أبطاله " علانية وتحت الضوء .
في الآونة الأخيرة شهدنا آثار رياح الربيع من خلال المظاهرات الشعبية العارمة التي تجتاح شوارع الأردن، ومن خلال مجموعة من الإجراءات التي طالت بعض القائمين على مناصب حساسة في الدولة سواء باتهامهم بغسل أموال أو بالإختلاس أواستثمار الوظيفة أو غيره ، إلا أننا نأمل أن لا تكون مثل هذه الإجراءات ضد هؤلاء مجرد صورة منمقة بإطار مزركش الُمراد منه تهدئة الشارع الذي خرج عن صمته واحتج أساساً على سياسات وليس على فلان أو علان..
إن المطلوب – إلى جانب محاسبة المسؤولين المتورطين هؤلاء - هو تغيير في السياسات التي أثبتت ضعفها وفشلها، وهذا التغيير لا يكون إلا بإصلاح حقيقي ينهض بالمجتمع الأردني ويحمي الأردن من غائلة المارقين وعبث العابثين .
المطلوب أن يعتلي منصة صنع القرار الخبراء والمختصون الجادون فقط من المخلصين والمستعدين لخدمة الأردن والشعب الأردني بكل معنى الكلمة ، المستعدين لتقديم المصلحة الوطنية بعيداً عن أهوائهم ومصالحهم الشخصية.
إنها أيام حرجة يمرُّ بها الأردن ، وإنه - ومن أجل العبور بوطننا بسلام إلى بر الأمان والاستقرار- فإنه يجب على الحكومات الُمكلفة الالتقاء مع مطالب الشارع الأردني في الإصلاح والتنمية وعلى كافة الصعد .
هي فرصة أمامنا لإنعاش الأردن الذي أدخلناه غرفة الإنعاش كما سبق وقال رئيس حكومة أسبق في معرض تعليقه على الوضع الإقتصادي ، وهو مثال للأوضاع كافة ، فلقد اكتوى هذا البلد الصغير الجميل بـ " كبار " الحيتان من فاسدين ومفسدين من أولئك الذين نهبوا خيراته ، وعطلوا عجلة التنمية فيه لمآرب خاصة ووضيعة ، وعاثوا فيه وفي مواطنيه فسادا وعدوانا وظلما .
لقد دقت ساعة الحساب ، والمطلوب أن يكون صوتها مدويا في فجاج الأرض وشعابها لكي يتحول لصوص المال العام من مستغلي المناصب والمواقع والنفوذ وغاسلي الأموال إلى أمثلة حية لكل من ألقى السمع وهو شهيد .
وهنا بيت القصيد .
د. فطين البداد