عن نشرة الأخبار
لكل محطة تلفزيونية - فضائية كانت أم أرضية - نشرة أخبار تنقل إلينا آخر المستجدات على الساحات : المحلية والعربية والعالمية.
أول ما يهم مشاهدي المحطات التلفزيونية الأرضية متابعة الأخبار المحلية التي لها تأثير مباشر عليهم على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. بينما تكون الأخبار العربية والدولية محط اهتمامهم تباعا وكل حسب هواه .
أما الفضائيات ، وتحديدا الإخبارية منها ، فتهتم بالحدث الساخن بغض النظر عن محليته من عدمها ، وها إن الخبر السوري يحتل – راهنا – نشرات الأخبار وعناوينها الرئيسة .
وبالتأكيد ، فإن المواطن السوري ( ممن يتسنى له المشاهدة في الداخل عقب قطع البث والتشويش الذي تتعرض له فضائيات بعينها ) هو الذي يقف أولا على عتبة المتابعة لشأنه المحلي وكذلك هو الحال بالنسبة للسوريين في الخارج ، وقس على ذلك بحسب المهتمين وسخونة دول الربيع العربي .
ما أسلفناه أمر بديهي وتلقائي ، ولكن الإجتهادات تكثر عقب ذلك ومن وجوه عدة :
فلقد تعرضت ، وتتعرض محطات التلفزة الإخبارية المعنية إلى اتهامات بالجملة من قبيل " التهويل " و " المبالغة " ويصل الأمر إلى نعتها بـ " العمالة " وتلقي التمويل من جهات خارجية " إمبريالية استعمارية زئبقية رجعية " إلخ من كل تلك النعوت التي لم تعد تستسيغها الأذن ، ولا يتحمل فجاجتها المنطق ، مع أن المطلع على الأحداث والأخبار من الداخل أو حتى من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ( الشكل الجديد من الاعلام ) وما تقدمه من صور وفيديوهات وأخبار وتحليلات، يدرك أن ما تقدمه المحطات التلفزيونية- برغم أدواتها التقنية وحرفيتها العالية - لا يشكل إلا جزءاً يسيرا من الحقيقة ولا يقارب الواقع إلا بنسبة ضئيلة أمام بشاعة وفظاعة ما يجري على الأرض .
لست هنا بصدد إصدار صكوك براءة أو اشتباه أو إدانة لأي محطة أو نشرة إخبارية ، ولكن يجدر التذكير : أن نشرات الاخبار محكومة بمدة زمنية محددة يجب عدم تجاوزها وبسقف معين على مستوى طرح الأفكار وبث الصور والفيديوهات وغيرها .
وإذا قارنا ذلك بعالم الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ، فإن هذا الأخير عالم واسع لا يحده زمان ولا مكان ، وهو غير مؤطر بسقوف حمر ولا خطوط زرق أو ليلكية أو محظورات تحد من البث والنقل والإخبار ( بكسر الهمزة ) فأنت هنا تسجل ما تريد وترصد ما تشاء وتبث كل ما تقع عليه عينك وتسمعه أذنك وتسجله عدستك .
نشرة الأخبار ليست سوى "علبة محددة " لا تسمح لطاقم الأخبار أو لضيوفه بتجاوز الحد المسموح فيه على مستوى الزمن أو حتى مناقشة الفكرة.
إلى جانب كل ما سبق ، فإن النشرة تهتم بالخبر الرئيس وتفرد له مساحة لا بأس بها على حساب بقية الأخبار التي لا تقل أهمية لكنها تتراجع من حيث الترتيب .
وكما قلنا آنفا : فإن الخبر السوري يشكل هذا الأوان – بحكم سخونته - حدثاً مفصلياً في هذه المرحلة من تاريخ سوريا والمنطقة ، في حين يتراجع الخبر الليبي - على أهميته - لنقف عند أخبار سريعة لا تقدم فكرة وافية عن ما يحدث في ليبيا بعد الثورة.. وكذلك الأمر بالنسبة لليمن ومصر وكلها بلدان عزيزة انتصرت على الظلم والظلمة وباتت أخبارها في ظل سخونة المشهد السوري تحتل مراتب أدنى .
ولا بد لي هنا من أن أقف حزينا أمام القضية الكبرى التي شغلت الوطن العربي والعالم لسنوات عديدة : القضية الفلسطينية، إذ باتت أخبارها لا تتعدى حوارات فتح وحماس في حين يختفي الخبر الفلسطيني عن معاناة قوم هم وأهلوهم وأبناؤهم في رباط منذ عقود ، اما أخطر القضايا في هذا الملف الدامي والأليم وأعني بها " الإحتلال " و " الإستيطان " و " القدس " فباتت في سياق " الروتين " و " الإستمراء " وهو هدف صهيوني يبدو أنه بلغ منتهاه ، ولولا "خضر عدنان " الذي أضرب عن الطعام في سجنه ضد الظلم لما أحس العرب والعالم مؤخرا بنبض القضية الفلسطينية .
أعود لأقول : هي (نشرة الأخبار) التي يجب أن لا نحمّلها أثقل من طاقتها ، فهي ليست كل الخبر ، وهي أيضا ليست تفاصيل الخبر: هي صور حدثية متسلسلة تروي لنا حكاية خبر ، يهمه أن يصل إلينا ، ويهمنا جدا أن نصل إليه إن تعثر ، وفي هذه الأخيرة فإننا نجد الفرق شاسعا بين رحابة شبكات التواصل وضيق الأستوديو .
د. فطين البداد