حراث الجمال !
آثار ما طالب به بعض أعضاء مجلس النواب الأردني مؤخراً بمنحهم جوازات السفر الدبلوماسية مدى الحياة ورواتب تقاعدية أسوة بالوزراء غضب الشارع الأردني، لدرجة أن مسيرات الجمعة الفائتة كان شعارها الرئيس : " لا امتيازات لا جوازات بدنا نرجع الفوسفات ".
كل ذلك جاء قبل أشهر من الحل المتوقع للبرلمان، مما دفع بالبعض إلى القول بأن نوابا في المجلس يتصرفون تحت ضغط أن مجلسهم يعيش شهوره الأخيرة وأنهم يحاولون قبل فوات الآوان تحقيق بعض المكاسب والامتيازات .
وقد تابعت وسائل الاعلام الأردنية والعربية هذه القضية ، لكن لغة الاعلام الأردني كانت أشد قسوة ، حيث تم وصف المجلس النيابي بـ " المزور " ، مما دفع ببعض النواب إلى مهاجمة الصحافة والاعلام الأردني معتبرين أن تغطيتهما لهذه القضية ما هي إلا مؤامرة ، وطالبوا بإحالة الصحافيين ووسائل الاعلام التي انتقدت النواب إلى المدعي العام بسبب ما أسموه ( تطاولا على هيبة المجلس) .
للتوضيح فقط : أنا لست ضد منح أي وزير أو نائب جواز سفر أحمر أو أخضر أو أصفر ولا حتى ضد منح أولاده وأحفاده سواء هذا الجواز أو غيره من الامتيازات أياً كانت ومدى الحياة أو ( إلى الابد إلى الأبد يا حافظ الأسد ) ولكن شريطة أن يحقق هذا النائب المُنتخب من الشعب والذي من المفترض أن يكون صوته الحر، ولو جزءا بسيطاً من مطالب الناس عملاً بالرسالة المقدسة التي على أساسها رشح نفسه ، وعلى أساسها تم انتخابه ليكون عين الشعب الرقيبة الساهرة على حماية حقوقه ومصالحه بكل أمانة وإخلاص ، تنفيذا للقسم الدستوري الذي أقسمه كل النواب بدون استثناء تحت القبة .
لكن البعض يرى أن عددا من الأشخاص تخلوا عن واجبهم وقسمهم وانشغلوا بتحصيل مكاسب شخصية متجاهلين الحراك الشعبي الذي يطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية وبمحاربة الفساد وفتح ملفاته وإحالتها إلى القضاء وسرعة البت فيها، وبمحاكمة الفاسدين وإعادة الأموال المسلوبة من الشركات الوطنية وضرورة وضع سياسات واضحة المعالم وجدول زمني دقيق للحد من هذه الإشكاليات التي تهدد أمن واستقرار البلد .
إن إقرار مجلس النواب المادة التي تم التصويت عليها في قانون الجوازات بمنح جوازات سفر دبلوماسية للمسؤولين الحاليين والسابقين مدى الحياة وتعديل القانون الذي بموجبه يتم منح النواب رواتب تقاعدية مساوية للوزراء في هذا الوقت الذي تنتفض فيه الشعوب العربية منادية بالحرية والكرامة وينتفض فيه شعبنا الأردني الأصيل مطالباً بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية وباستعادة حقوقه في ثرواته الوطنية ومحاسبة من ألحقوا بالأردن أفدح الخسائر..
وأيضا : في هذا الوقت الذي تصوت فيه الأغلبية النيابية على عدم إحالة ملف شركة الفوسفات إلى القضاء متجاهلة مصلحة الوطن وتساؤلات الشارع الأردني عن مصير الموارد الأساسية في الأردن التي بيعت تباعاً دون أي آثر إيجابي لا على الصعيد الاقتصادي ولا على الصعيد الاجتماعي..
في ظل كل ذلك وغيره مما لا يتسع المجال لذكره ، يظهر عجز البرلمان والحكومة في الاستجابة لمطالب الشعب ويظهر مدى انشغالهم بمصالحهم – نوابا ووزراء – وأستثني البعض ، ويبدو جليا أن مواقعهم السياسية التي يشغلونها ليست سوى تمثيل ضيق لأنفسهم فقط .
إن بعض نواب المجلس السادس عشر " اشتغلوا " جيدا ، وتعبوا جيدا وهذا مؤرشف في هذا الموقع صوتا وصورة ، فهم من أنجز التعديلات الدستورية وبعض قوانين الإصلاح غير أنني أخشى ما أخشاه أن يصيب جهدهم وتعبهم ما أصاب " حراث الجمال " ..
ترى : هل يعرف بعض النواب ما هو " حراث الجمال " ؟؟ ..
إسألوا قواعدكم .
د. فطين البداد