الخصاونة والطراونة
شغل الشارع الأردني والاعلام المحلي والعربي والدولي قضية استقالة القاضي الدولي عون الخصاونة من رئاسة الحكومة بعد مضي حوالي ٦ أشهر فقط على تسلمه مسؤولياته.. ثم الاعلان عن الإرادة الملكية السامية بقبول الاستقالة وتعيين دولة الدكتور فايز الطراونة خلفاً للخصاونة .
لعل في هذا أمرا اعتاده الشعب الأردني : فالخصاونة هو ثالث شخصية تجلس على كرسي الرئاسة في الأردن خلال العام ٢٠١١ بعد سمير الرفاعي الذي أقيل في الأول من شباط للعام المذكور تلاه البخيت الذي أقيل في 17 تشرين الأول 2011 وفي نفس اليوم كلف الخصاونة .
لكن المثير للجدل هذه المرة هو تقديم عون الخصاونة استقالته وهو في زيارة بروتوكولية لتركيا تلبية لدعوة من الحكومة التركية لحضور الاحتفال الخمسيني لتأسيس المحكمة الدستورية هناك ..
بغض النظر عن الجدل الدائر حول أسباب الاستقالة وعن التجاذب في الرأي حولها، بين مؤيدٍ للخصاونة باعتبار موقفه موقف رجل لا يعرف التنازل ولا يرضى بأن يكون ظلاً في حكومة ، وبين رأي آخر يرى في استقالة الخصاونة وهو في الخارج وبهذا الشكل إحراجا للوطن والمواطن الأردني وخرقا للبروتوكولات والأعراف السياسية ، ويؤكد الرأيان - في الحقيقة - قضية أساسية : أن هناك خللا في المشهد السياسي للبلاد .
وإذا نظرنا لأداء الحكومة السابقة فإن الخصاونة - وضمن مساعيه لإجراء الإصلاحات - حقق ولو جزءاً يسيراً من كم المسؤوليات الجمة المُناطة بحكومته، فلقد كان على وشك إقرار قانون الإنتخاب الذي أحيل إلى مجلس الأمة ، وكذلك كافة القوانين الإصلاحية التي انتهى ديوان التشريع منها وناقشتها اللجنة القانونية النيابية وهي في طور النظر والإقرار بالإضافة إلى الهيئة المستقلة للإنتخابات والمحكمة الدستورية ، وهما المحوران " الإصلاحيان " اللذان تحدث بهما جلالة الملك تصريحا في كتابه للطراونة .
والخصاونة رجل مشهود له بالنزاهة والأخلاق والسمعة الطيبة الحميدة ، ومعروف عنه ترفعه عن الصغائر والشبهات ، ولذلك فقد تكون فترة الـ 6 أشهر غير كافية للحكم على حكومته بالفشل، فهي ـ أي حكومة الخصاونة – قد استلمت مسؤوليات جمة وتوارثت فساداً وضعفاً وعجزاً في الأداء الحكومي عمره سنوات عدة، وهذا ما جعل من رجل أمضى 10 سنوات قاضياً في محكمة العدل الدولية في لاهاي منها 3 سنوات نائبا لرئيس المحكمة غير قادرٍ على الصمود أمام الخضم والإرث السياسي الذي يعيشه الأردن.
والسؤال :
هل في تعيين الدكتور فايز الطراونة، الذي يعتبر هو الآخر شخصية موثوقة لا لغط حولها وتحظى بمكانة كبيرة في نفوس أبناء الشعب الأردني حلاً للملفات الأردنية الساخنة : هل ستحقق حكومته الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ينشدها المواطن الأردني؟ وهل ستستطيع الحكومة التخفيف من الاحتجاجات والمسيرات التي تزداد بشكل مضطرد في معظم المدن والمحافظات الأردنية؟..
وهل ستنفس الحكومة من غضب الشارع الذي يزداد احتقانا
أم سيغرق هو الآخر في دوامة الخلافات السياسية والمعارك الجانبية والتصفيات الحسابية؟ فتنسى الحكومة دورها في العمل العام والإنجاز وفي تحقيق الاصلاح ومحاربة الفساد واستكمال ومتابعة ملفات وقضايا ومحاكمات ومشاريع قوانين كانت قد بدأت في عهد غيره ممن سبقوه ؟؟..
هل سننتظر حكومة جديدة كل مرة حتى نقر – دستوريا - قانوناً إصلاحيا جديداً ؟! ..
القضية ليست في تغيير الأسماء وتبديل الشخصيات، القضية في آلية العمل وفي إظهار رغبة عارمة من الجميع مواطنين ومسؤولين على التعاون من أجل النهوض بالأردن ومنعه من الغرق في دوامة الفوضى، وإرساء القواعد السليمة لبناء وطنٍ يحقق الديموقراطية والعدالة والحياة الكريمة والمستقبل الأفضل لأبنائه .
فطين البداد