الحاقدون على الربيع !
تتسع دائرة الموت في منطقتنا العربية وتعم هذا الأوان مختلف الاقطار التي شهدت ثورات أو تلك التي تشهدها ، لدرجة اعتادت على وقعها الأذان ، وعلى حمرتها القانية العيون ، وعلى فهمها الألباب والعقول ، بل إن استمراءنا لصوت الموت ومعناه وفعله وحديثه أفقد القلوب رحمتها ووجلها بعد أن فقدنا إنسانيتنا التي هدرها حكامنا منذ أحقاب وأحقاب ، وأجيال وأجيال .
لقد بات مشهد طفل مقتول ، وجسد مسحول ، ووجه مهشم ، وضلع محطم ، مشهدا يوميا لا حراك فيه ، وكأن أحدنا استحال إلى بشر قــُــد ّ من صخر جامد لم يحطه السيل من عل .
باتت مشاهد الموت عادية ..
عادية جدا للأسف ..
يزيد الطين بلة ، أن يخرج متفذلكون ومن يطلق عليهم " محللين " بتشخيص ينضح منه السم الزعاف ، حينما يقولون : إن هذه الفوضى وهذا العنف وهذه الأحداث ليست ربيعا عربيا ولا ما يحزنون ، بل هي دمار وانهيار للوطن العربي برمته ، يجري وفق سيناريو مخطط من أجل إضعافه وإضعاف الجيوش العربية وإشغال العرب بحروب " دونكوشوتية " ليأكلهم الضعف والوهن ، وبالتالي يتم السيطرة عليهم من أجل إسرائيل ، ولا أحد سواها !!!.
هكذا يقول لنا الجهابذة العظام هؤلاء ، متناسين عامدين متعمدين بأن هذه الأنظمة ، أو التي تم الإطاحة بها ، أو تلك التي هي في طريقها للسقوط ، هي من حمت إسرائيل عبر السنين الفائتة ، وهي التي بجبنها واستخذائها مكنت هذه الإسرائيل مما هي فيه الآن من جبروت وصلف ، وما استقرار الجولان بدون أي إطلاق نار ، وتدمير ما قيل عن أنه مفاعل نووي ، وتحليق الطائرات فوق قصر بشار ، وأيضا ما هدوء سيناء وحصار غزة وإغلاق رفح ، وما كشفته وثائق عن أن مبارك كان ينوي تحويل مجرى النيل ليصب في إسرائيل ، إلا أمثلة " دامغة " عن أن النظام الرسمي العربي ، أو بعضه لكي لا أظلم ، كان سبب الإنكسار والدمار ، والتزلف والتخلف ، والإنسياح والإنبطاح في أحضان إسرائيل التي يقولون لنا إن الربيع العربي مؤامرة منها أو من أنصارها في الشرق والغرب ، وهو كلام فارغ تروجه ذات الأنظمة بذات الأقلام والألسن ، وبنفس الأسلوب الذي عفا عليه الزمن ولم يعد ذا معنى في القرن الحادي والعشرين .
أما اتهام أن تكون القوى الغربية هي التي أوقدت شعلة الربيع فهذا له حديث آخر ، وسنقف عليه بتفاصيله في مقال قادم ، ولكن يعنينا هنا أن نشير أن تأييد الغرب للربيع العربي يجيء من باب رغبة الغرب في حل الصراع مع إسرائيل حفاظا على مصالحه ومصالحها ، من هنا أيد الربيع وبدأ يستثمره للضغط على إسرائيل لتقبل بحل الدولتين فيربح الغرب أمرين : حفاظه على إسرائيل معترف بها من كافة دول العالم ، وحفاظ ما تبقى من ماء وجهه حيال العرب والمسلمين وعدائهم له المستأصل في القلوب والحناجر بفعل انحيازه الأعمى للدولة العبرية منذ تأسيسها إلى الآن ، فيربح استثمارات ومواطئ قدم وخلاف ذلك من خفايا الإستراتيجيا الدولية الخفية منها والمعلنة .
لقد بات الأمر ملحا أن نفهم أن الربيع العربي بدأ يتفتح بشبابه وشاباته وقواه الحية ، وأن الأنظمة التي سقطت ، أو التي هي آيلة للسقوط لم تكن ، ولن تكون يوما إلا راعية للمصالح الإسرائلية ولبقاء إسرائيل وليس العكس .
فطين البداد