موسم انتخابات بامتياز
إنه موسم انتخابات بامتياز : ففي مصر ، تجرى الانتخابات الرئاسية أو السباق الرئاسي أو بالأحرى " الصراع الرئاسي " في ٢٣ و٢٤ من الشهر الجاري في مشهد يلخص كل مفردات " التخبط " و " النزاع " و " الحرب بالوكالة " وغيرها ممن لا يريدون لـ " أم الدنيا " الاستقرار ولا التقدم ولا أن تفتح صفحة جديدة وتنتخب رئيسها وتبني دولتها المدنية الديموقراطية .
وفي الجزائر جرت انتخابات تشريعية في العاشر من هذا الشهر سمحت السلطات للجان عربية وغربية بمراقبتها ، في حين أشرف على عملية فرز الأصوات لجنة قضائية متخصصة بهدف تأكيد نزاهة الانتخابات وشفافيتها حيث تصدرت جبهة التحرير الوطني مقاعد البرلمان (وهو حزب النظام الحاكم حالياً: نظام بوتفليقة!!) تلاها التجمع الوطني الديموقراطي ، وحل الإسلاميون ثالثا !!.
و في روسيا ، وفي مشهد انتخابي " صوري " عاد فلاديمير بوتين إلى السلطة في ولاية ثالثة في حفل كبير أقيم بهذه المناسبة يوم ٧ مايو/أيار حيث أقسم اليمين أمام ٣ آلاف ضيف في احتفال نُقل مباشرةً عبر محطة التلفزيون الحكومية من قصر الكرملين الذهبي البراق الذي اعتاد القياصرة المستبدون الذين استمدوا سلطاتهم من السماء الجلوس فيه على عرش روسيا.
لقد كان الهدف من ضخامة حفل تسلم السلطة هذا العام إبراز مدى نفوذ بوتين الذي شهد تظاهرات شعبية حاشدة ضده والذي قرر التعامل بحزم ضد من أرادوا حمله على التقاعد مبكراً ، ولتكتمل المهزلة ، أعاد بوتين الرئيس دميتري ميدفيدف إلى منصبه السابق كرئيس للوزراء في لعبة تبادل الكراسي المريبة هذه ، وسط نقمة شعبية طاغية ، حيث سبق ووصفته الصحفية الروسية أولغا رومانوفا بأنه ( الأب الروحي للمافيا ) .. ولأنه كذلك فإنه لا يمكن إلا أن يكون ضد الشعوب العربية في ثوراتها ومطالبتها بالحرية والعدالة والديموقراطية.
أما في سوريا فجرت فصول مهزلة أكبر وأعظم ، عندما دعا النظام لانتخابات يصل وصفها في مثل ظروف سوريا إلى درجة " الوقاحة " ، ولقد تم إجراؤها فعلا في السابع من مايو/أيار الحالي ، إذ : قالت قناة " الدنيا " إن الشعب السوري استفاق ذلك اليوم منذ الساعة السابعة صباحاً مهرولاً مسرعاً باتجاه صناديق الاقتراع للمشاركة في ما أسمته " العرس الديموقراطي " وسط قتل العشرات واعتقال المئات وفقدان الآلاف ، فاي مهزلة أشد وأنكى من هذا الذي يجري هناك !؟..
وفي المقابل ، وفي صورة شبيهة من حيث الإطار ، مختلفة من حيث التفاصيل والخطوط ، جرت انتخابات فرنسا في السادس من هذا الشهر حيث فاز مرشح الحزب الاشتراكي " فرانسوا هولاند " برئاسة الجمهورية بنسبة ٥٢٪ من عدد الأصوات ، أي بفارق بسيط على منافسه نيكولا ساركوزي الذي حقق ٤٨٪ .
ساركوزي الرئيس الفرنسي " السابق " ألقى كلمة الوداع كما جرت عليه العادة ، وشكر الشعب الفرنسي وتمنى للرئيس الجديد كل التوفيق.
هو لم يتوعد ولم يهدد بحرق فرنسا، لم يُنزل دباباته وقواته إلى الشوارع لقتل من لم ينتخبه من الفرنسيين، لم يبعث بلطجيته وشبيحته والموالين له للتكسير والتدمير والنهب وتخريب البلاد واعتقال العباد ، بل إنه انسحب بكل بساطة وهدوء متمنيا للفرنسيين حياة فضلى .
هي الديموقراطية التي يعيشها فرنسيو اليوم ، بعد أن كان أجدادهم من فرنسيي الأمس وقودا للثورة الفرنسية المظفرة التي نقلت البلد بل أوروبا بأسرها نحو الحرية والمواطنة والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.
وإلى كل من يشكك في الربيع العربي أقول : إن لكل ولادة مخاضا ، وإن في كل مخاض ألما لا بد منه ، وانتظارا لا فكاك عنه ، فنتائج الثورة ، أي ثورة ، لا تتحقق بانسياب وسلاسة وهدوء ، ولكنها في النهاية ستتحقق وسنسمع صوت بكاء الجنين يحمل البشرى ، ويا له من بكاء ، ويا لها من بشرى !.
فطين البداد
