أطفال الحولة .. مشاعل النصر
إن لم يكن النظام السوريّ قد أفلح، منذ اندلاع الثورة ضدّه، في إظهار وجهه القبيح ، فهو - دون أدنى شكّ - تفوّق على توقعات الجميع في تحقيق أدنى درجات الانحدار الإنسانيّ بعد الفظائع التي ارتكبتها قوّاته وشبيحته في منطقة الحولة منذ أسبوع.
داهمتنا أبشع الصور وأكثرها وحشيّة عبر شاشات التلفزة، لتتركنا مسمرين ذهولاً، نتساءل عن سبب ذبح خمسين طفلاً في ما يشبه طقساً شيطانيا ً!!.
( أطفال الحولة .. مشاعل النصر ) ، هكذا سمى السوريون جمعتهم و انطلقوا يتحدون من لعله " سفاح القرن الواحد والعشرين " بإرادةٍ ما زادها بطشه إلا قوةً وصلابة، ليدفعوا المزيد من الشهداء، في الوقت الذي كان فيه مندوب النظام السوريّ، في خطابٍ ببغائيّ، يشجب الاتهامات التي رفعها المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، وينفي أي دورٍ لمنتدبه في حدوث مجزرة الحولة، متهماً – كالعادة - مسلحين في ارتكاب هذه الفظيعة، ومندداً للمرّة " الزليون " بمنظمي المؤامرة الكونية على " نظام الممانعة " ، ضارباً عرض الحائط موجة الاستياء التي عمت العالم، فطردت أكثر من دولةٍ سفراء سوريا فيها، وخروج كثيرين نصرة للثورة ، منهم – مثلا – اليمنيون الذين خرجوا نصرةً للشعب السوريّ في جمعةٍ أسموها " ثورة سوريا ستنتصر "، ليتلوهم مساءً آخرون في المغرب وموريتانيا، وكلٌّ قد راعه مشهد الأطفال المغدورين في الحولة، وقد خُطفت منهم الحياة.
رغم شلال الدم المستمرّ، والتأييدين الروسي والصيني المستمرين بتصلّب، يبعث المشهد على التفاؤل بطريقةٍ أو بأخرى، وقد انضمت كبرى المدن في سوريا، دمشق وحلب، إلى إضراب " الكرامة " فيما يشبه المعجزة التي انتظرها الجميع طويلاً، بالإضافة إلى خروج مجلس حقوق الإنسان بقرارٍ يدين المذبحة ويطالب بتحقيقٍ أمميّ.
ولكن.
حتى الآن يبدو الأمل ضعيفاً في أي تغيير جذري سيطرأ على القضية السورية، فيخلص السوريين من عذاباتهم ومعاناتهم والجزّار الذي يحكمهم.. ولا يبدو أن الإجماع العالميّ على أن ما يحدث في سوريا هو جرائم ضد الإنسانية سيكون بداية الطريق إلى ذلك، إذا استمر التأييد الروسيّ لرواية دمشق، فضلاً عن تزويد النظام بالأسلحة، والتي على حد تعبير " بوتن " : " لا تستعمل في حربٍ أهلية " ! .
إن لم يتمكن المجتمع الدولي عاجلاً أم آجلاً في وضع حد للمجازر في سوريا، رغم أيّة معارضةٍ من أيّة دولة، فسلامٌ على الإنسانيّة، لأنه ومع مشهد أطفال الحولة والذي سيطاردنا كلّ يوم، تحول الصراع من شكله السابق، إلى صراع لن يكتفي بتحديد مصير المنطقة وحسب، بل مصير الإنسان أينما كان، قريباً من سورياً أو يبعد آلاف الأميال عنها.. وما دام الأسد يفترس شعبه دون أن يردعه أحد، فهذا يعني أن الكل مهدد، وما يحدث في سوريا قد يحدث في أي مكان، وقد لا يجد الأبرياء من يحميهم ويدافع عنهم.. هكذا ببساطة .
إذن..
ما دعا إليه رئيس المجلس السوري الانتقالي د. برهان غليون يبدو الحلّ الأكثر واقعية و الأنسب للمرحلة والوضع الراهن ، طالما أنه وعلى المدى المنظور ما من أحد ينقذ السوريين إلا السوريون أنفسهم .
ليست مجزرة الحولة هي الأولى في سوريا، فقد سبقتها الكثير من المجازر، ولكنها - لسبب من الأسباب - هزت ضمير الإنسان.. ونخشى ألا تكون مجزرة الحولة هي الأخيرة..
يا أطفالَ الحولة ..
يا مشاعلَ النصر :
سامحونا لأن أيدي السفاحين وصلت إلى رقابكم.. واغفروا للمصالح الدولية التي تعلو على " قدسية " الإنسان الذي سجدت له الملائكة .
د.فطين البداد
fateen@jbcgroup.tv