الفنانون الأردنيون : صوتي معكم
كما هو حال أغلب فئات المجتمع الأردني من معلمين وعمال ومهندسين ورياضيين....الخ .. حيث التراجع في الاهتمام والانتقاص في الحقوق، ينطبق هذا الحال أيضاً على واقع الفنان والمثقف الأردني الذي لا يلقى اهتماماً ودعماً من قبل الحكومات الأردنية المتعاقبة .
فهذه الحكومات ، تظن - أو هكذا تحب أن تعتقد - بأن الفنان هو درجة ثانية في السلم الوطني بعد السياسي والمسؤول، وأن الفن هو وسيلة ترفيه ، والأولى أن تصب اهتمامها على ما هو أساسي وجوهري في حياة الوطن والمواطن.
تتجاهل الحكومات – عن معرفة أو جهل وكلاهما مُرّ - أنه بالفن وحده ترتقي الأمم وأن الفنان إنما هو صوت الشعب وصورة الوطن.
فكم سجل التاريخ القديم والمعاصر واحتفظ في الذاكرة الجمعية بأسماء لفنانين وكُتّاب وشعراء وتشكيليين وموسيقيين عظام نقلوا صورةً ناصعة عن أوطانهم وكانوا انعكاساً مشرفاً عن حضاراتهم.
وكم ساهم الفنان والمثقف في توعية الشعوب وإيصال رسالة المجتمعات عبر المسرح والسينما والدراما والشعر والأدب والموسيقى.
وكم كان الفن بمختلف ألوانه انعكاساً للواقع المعاش وللإنسان في كل زمان ومكان فنقل هذا الواقع ونقده وحاول تصحيح مساره وسجله ووثقه بالكلمة والصورة واللحن.
فإلى متى سنبقى ننتظر حكوماتنا ومسؤولينا المعنيين بالفن والثقافة وحتى الصناعة أن يعوا حقيقة هذا الأمر ، وأن تلعب الحكومات دورها في دعم الفن والثقافة لما لهما من أهمية وضرورة في حياة الوطن والمواطن.
واليوم ، الاحد ، موعد مقالتي الإسبوعية ، يدخل اعتصام الفنانين الأردنيين أسبوعه الثاني ، ونأمل أن تكون هذه الوقفة الاحتجاجية بادرة خير عسى أن يصل صوتهم إلى من لم يعانوا من الصمم في السمع .
في كل أنحاء العالم بلا استثناء ، هناك جهات رسمية تُعنى بالفن والثقافة من خلال المؤسسات الانتاجية التابعة للتلفزيونات الحكومية ومن خلال المؤسسات السينمائية والمسرحية والمراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة وأيضاً من خلال صناديق دعم الفن والثقافة ، وهناك تسهيلات في القوانين والتشريعات التي تدعم صناعة الدراما حتى تحفز المستثمر والمنتج المحلي والعربي على دخول هذا المجال :
فالقطاع الخاص - مهما بذل من جهد ومال في سبيل الفن والثقافة ودورهما في الحياة ، فهو - في النهاية - يسعى باتجاه تحقيق الربح، فما بالكم اذا اصطدم بقوانين ومعوّقات وضرائب ومحسوبيات ، عندها حكماً سينسحب إلى غير عودة.
لقد عاش المشاهد العربي - خصوصاً في منطقة بلاد الشام - على منجز وإبداع الفنان والمثقف الأردني، فانغرس هذا الفن والتراث والكلمة والصورة واللحن الأردني في وجدان الشعوب العربية، وأضحى الأردن قبلة ً للفنانين العرب والعالميين يُصدر ثقافته لهم كما يحتضن ثقافات العالم .
وعندما طالب الفنان الأردني بالأمس وحارب من أجل عودة (مهرجان جرش) الذي أصبح جزءا من ذاكرة وضمير المواطن العربي ، فلأنه عرّف عن الأردن حضارةً وتاريخاً كما ثقافة ً وفناً ، وعندما يحارب اليوم فإن ذلك في سبيل أن يكون للفنان دور في مهرجاناته الوطنية : ليس لأن له موقفاً ضد استقبال واحتضان ثقافات العالم بل للسعي من أجل إندماج هذه الثقافات مع الثقافة الأردنية التي لها رصيد كبير وتاريخ طويل من العطاء والإبداع والإنجاز.
لقد كان لي تجربة عايشتها من خلال ( مهرجان جوائز الأردن ) الذي أقامته مجموعة قنوات البث الأردنية للاحتفاء وتكريم المبدع الأردني والعربي بمنحه جائزة ( تايكي ) التي ترمز تاريخياً إلى الأردن ، حيث كان الهدف من هذه الاحتفالية المساهمة في إعادة الألق إلى الأردن كملتقى للفنانين الأردنيين والعرب، ولخلق حالة من التنافس بين الدراما الأردنية مع نظيرتها العربية.
لا أريد هنا الخوض في الحديث عن المعوّقات والإشكاليات التي صادفناها وعن الهجوم الذي لاقيناه من قبل جهات عديدة، لكنني أريد التطرق إلى رصد وسائل الاعلام الأردني لهذا الحدث الفني :
ففي حين ساهمت وسائل الاعلام العربية بكل حب وحماس بتغطية هذا الحدث الفني الأول من نوعه في الأردن بعد غيابٍ طويل، واجهنا صعوبات جمّة في إقناع الجهات الاعلامية الأردنية الرسمية في المساهمة في تغطية هذا الحدث.
حتى أنني وبعد إنتهاء الاحتفالية ومن خلال متابعة وسائل الاعلام المحلية المختلفة لكيفية رصدها لهذا الحدث، فوجئت بالاعلام الأردني ( معظمه ومنهم موقع المدينة نيوز ) يتناول الخبر بنشر الصور واستعراض مشاركات الضيوف العرب وذكر نتائج الجوائز، دون كتابة أية مقالات نقدية وتحليلية أو حتى إجراء حوارات مع الفنانين الأردنيين ، أو على الأقل مع الفنانين إياد نصار وصبا مبارك اللذين فازا بالجوائز.
لم أقرأ لقاءً واحداً في الاعلام الأردني مع الفنان إياد نصار الذي فاز عن دوره (حسن البنا ) في الدراما المصرية ( الجماعة ) بجائزة أفضل ممثل أردني، كما رُشح عن الدور نفسه لجائزة أفضل ممثل عربي مع أسماء ممثلين نجوم من الوطن العربي هم : يحيى الفخراني – بسام كوسا – خالد الصاوي.
بينما لاقت الفنانة صبا مبارك الفائزة بجائزة أفضل ممثلة أردنية هجوماً شرساً لأنها شكرت، عند اعتلائها المنصة لاستلام الجائزة، الدراما السورية التي احتضنت تجربتها الفنية وفتحت لها الباب أمام الانتشار العربي.
لكأننا هنا في الأردن نتصيد الأخطاء أكثر منا نكرّم الإنجاز ونحتفي به.
إنني - ومن خلال موقعي كرئيس لمجموعة " قنوات البث الأردنية " - أقف إلى جانب الفنان والمثقف الأردني في إضرابه الاحتجاجي وأضم صوتي له بالمطالبة بحقوقه وبالاهتمام ورعاية الفن الأردني، وأتعهد بدعمه بكل ما أملك من إمكانيات لإيماني بأن الأردن زاخر بالطاقات والمواهب الخلاقة وليقيني بأن أمة ً بلا فن هي أمة بلا روح .
إلى لقاء قريب يجمعنا في ( تايكي – ٢٠١٢ ) رغم الصعوبات التي ستواجهنا لكننا سنتخطاها معاً.
د. فطين البداد
fateen@jbcgroup.tv
