النضال الكيبوردي
في زحمة ما يشهده الوطن العربي هذه الأيام من حراك سياسي وشعبي ، برز زحام من نوع آخر على شاشات التلفزة وفي الوسائل الاعلامية المختلفة وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا الحراك الاعلامي جاء مرافقا للأحداث اليومية التي تعيشها شعوبنا العربية، وبغض النظر عن رضانا عن البعض وامتعاضنا من البعض الآخر، إلا أنه حراك صحي وضروري ويحدث في الدول المتقدمة وهو دليل وعي ونضج سياسي وانعكاس للديموقراطية والحرية التي تعيشها هذه الدول، ناهيك عن الأحكام والشروط التي تحكم وسائل الاعلام خاصة ً في ما يتعلق بالشفافية والموضوعية واستخدامها للغة أنيقة في الحوار والتخاطب ونشر الخبر – وإن شذت بعض البرامج عن القاعدة.
أما فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي فالحراك من نوع آخر ، لأنه لا يخضع لشروط تحكمه ولا رقيب يلحظه ، وقد بات هذا العالم الافتراضي منبعاً للمعلومة ومصدرا للأخبار والوقائع والأحداث، إضافةً إلى كونه فسحة لبث المشاعر والعواطف وإبداء الرأي والتحليل والنقد بل وحتى المحاكمة!! .
هذه العوالم (الافتراضية) أصبح لها دور وتأثير قوي فيما نشهده حالياً من أحداث ومغيرات ويمكننا - من خلالها - أن نتعرف على طبيعة المجتمعات وتركيبتها وإلى أين نحن ماضون، لأنها اليوم تشكل أكبر تجمع لأبنائنا الذين هم بناة المستقبل.
ومن خلال متابعتي وإطلاعي على هذه العوالم ، استوقفتني ظاهرة منتشرة بكثرة وهي : إطلاقنا الأحكام على الآخرين ورفضهم ومحاكمتهم وإنزال العقوبات بهم أو الاستهزاء والشتيمة بشخصيات حديثة العهد في موقع المسؤولية ، مما يثبط عزيمتها ويضعف من مقدرتها على التحرك والتغيير ، وأخص هنا رئيس مصر الجديد محمد مرسي الذي دخل التاريخ الحديث بكونه أول رئيس مدني منتخب في جمهورية مصر العربية منذ سنوات على حكم العسكر.
لقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بين جماعات مؤيدة بقوة لهذا الرجل - ونحن في مرحلة بناء وطن حديث أشد ما نسعى إليه التخلص من عقلية تمجيد الفرد - وجماعات على الطرف الآخرة معارضة له وبشدة لدرجة الاستخفاف به والاستهزاء بفوزه .
فالأولى تندد وتتوعد كل من يعارض أو يأتي على كلمة سوء بحق مرسي، والآخرى تدعو إلى محاربته ومحاربة الإخوان والسلفيين.
وبغض النظر عن رأي هاتين الجماعتين فهما لا يتوقفان عند مجرد إبداء الرأي وإنما يتحركان ويوجهان نحو الفعل ويحكمان : - كل على الآخر وعلى الرئيس المُنتخب - بالفشل مسبقاً.
أنا – شخصيا – لا أتبنى فكر مرسي ولا أدعو إليه ، ولكن لا أرى بأسا من التوضيح بأن محمد مرسي : هو من العشرة الأوائل في الثانوية العامة على مستوى جمهورية مصر ، وهو حاصل على بكالوريس هندسة بمرتبة الشرف، وعلى ماجستير في هندسة الفلزات ، ومنحة دراسية من بروفيسور في جامعة كاليفورنيا لتفوقه الدراسي، وحاصل علـى ماجستير ودكتوراة في حماية المركبات الفضائية.. كما أن له عشرات الأبحاث في (معالجة أسطح المعادن) وهو ما يعد من المجالات العلمية الدقيقة التي شارك بها أثناء عمله في وكالة " ناسا " على تطوير محرك المكوك الفضائي في أوائل الثمانينات، كما اختير كأفضل برلماني على مستوى العالم .
كل هذه المؤهلات العلمية والإنجازات لم يرها البعض وانصب تركيزهم وتقييمهم للدكتور مرسي على لحيته القصيرة وحجاب زوجته .كيف سنبني وطناً منيعاً قوياً مزدهراً اذا كنا نحطم من عزائم أبنائه وقادته الذين اختارتهم الأغلبية بانتخابات ديموقراطية قبل أن نعطيهم الفرصة لنرى تحقيق وعودهم ونشهد أفعالهم وإنجازاتهم على الأرض ؟؟ .
أما على الصعيد الآخر - في سوريا مثلا - فقد يكون إطلاق الأحكام أشد عنفاً ومعرقلاً لمسيرة الحرية التي يسعى إليها السوريون في نضالهم لإسقاط الأسد ونظامه العابث الفاسد.
هذا ما تابعناه في مواقع التواصل الاجتماعي من تشتت في الآراء ضمن مجموعة واحدة هي المعارضة للرئيس الأسد التي لا ترى حلاً للأزمة في سوريا سوى في رحيله وأزلامه عن السلطة.
ورغم ما تابعناه من مؤتمرات، فإن السبيل الوحيد لذلك، هو بأيدي السوريين وحدهم، وتحقيقه يتم بتآكل النظام من الداخل من خلال الانشقاقات القيادية .
ومع ذلك ، فعندما يحدث ما ينشده السوريون ويتمناه لهم إخوانهم وأصدقاؤهم ، نجد المعارضة " الفيسبوكية " تتخبط في إطلاقها الأحكام حول هذه الإنشقاقات فتحاسب وترفض وتتوعد بالعقاب ، وهم بذلك لا يخلقون بيئة حاضنة داعمة لهذه الإنشقاقات ومشجعة لها ، وإنما يعطون دافعاً قوياً للآخرين للتمسك بالأسد : لأن بقاءه سيضمن لهم بقاءهم واستمراريتهم.
لذلك ، فمن الأفضل لمن يكتب ويحلل ويعطي رأيه في مصير وطن وأبنائه أن يكون أشد وعياً ونضجاً فيما يقوله ويكتبه ، لأن الثورة " الكيبوردية " دائماً ما تنتهي بالنعاس ، بينما النضال التحريري على الأرض فينتهي إما بالنصر أو الشهادة.
fateen@jbcgroup.tv