الإسلاميون ..
" بداية لا بدّ من التنويه بأن المقصود بالإسلاميين الأحزاب السياسيّة التي تروّج لنفسها على أسس دينيّةٍ إسلاميّةٍ بحتة، لا من يعتنقون الديانة الإسلاميّة " ...
تونس تليها مصر، ثورتان تاريخيّتان أسفرتا عن وصول الإسلاميين إلى سدّة الحكم بعد عقودٍ من العمل في الخفاء نتيجة تجريمهم وملاحقتهم من قبل الأنظمة التي انقلبت عليها شعوبها.. فمن السجن إلى الترحيل وربما الاغتيالات، لا في الدولتين الآنفتي الذكر وحسب، بل في عديدٍ من الدول العربيّة الأخرى التي حاربت هذه الحركة بشتّى الوسائل، بينما انقسمت الشعوب فيها بين مؤيّد ومعارض، ليتحوّل الحال بعدها إلى متوجّسٍ ومتفائل في الدول التي سقطت أنظمتها وفي أخرى آلت الأنظمة فيها إلى السقوط ...
ففي سوريا التي لا تزال تصارع لإسقاط نظام الأسد، نشب خلافٌ فريد من نوعه على صفحات الفيسبوك عندما كتبت الناشطة ريما دالي عبارةً اعتبرها ذوو الميول الإسلاميّة من الثوار خادشةً لمعتقداتهم وإيمانهم، فشنّوا حملةً واسعة الطّيف ضدّ الناشطة التي كانت من أول من رفعوا شعار "أوقفوا الموت.. نريد وطناً لكلّ السوريين "، فكالوا لها الاتهامات والتي وصلت حدّ التكفير، فيما انبرى آخرون للدفاع عن الناشطة تحت خانة حريّة التعبير ليتحوّل المشهد على مدى أيّام إلى جدالٍ حامي الوطيس على موقع التواصل الاجتماعيّ، فيما ينبئ بصراعٍ على هويّة سوريا كدولة بعد سقوط النظام بين طرفين : أحدهما إسلاميّ والآخر ذو ميولٍ مدنيّة أو علمانيّة ...
وعلى صعيدٍ آخر، يشنّ الإسلاميّون اليوم في تونس حملةً، تكفيريّة هي الأخرى، ضدّ السباح التونسيّ أسامة الملولي، والذي فاز بالميداليّة الذهبية في سباق العشرة كيلومترات في أولمبياد لندن، وذلك لشربه الماء بعد نهاية السباق المضني، مما أثار حفيظة الإسلاميين من مواطنيه، والذين اعتبروا في تصرّفه هذا إساءةً للشهر الفضيل وللدين الإسلاميّ لمجاهرته بإفطاره علناً على شاشات التلفزة، ولينشب صراعٌ تونسيّ بين مؤيّدين للملولي وحانقين .
في أرض الكنانة، لا زال وصول الإخوان إلى سدّة الرئاسة موضوع الساعة، فتكتظّ شاشات التلفزة بحواراتٍ ساخنة وبرامج تختصّ بمناقشة هذا الموضوع، ولعلّ آخر ما شاهدت هو لقاءٌ للإعلاميّ اللبنانيّ طوني خليفة مع المرشد السابق للجماعة "محمد مهدي عاكف " في برنامجٍ يحمل عنوان "زمن الأخوان "، الاسم الذي رفضه "عاكف " رفضاً قاطعاً وذلك لاعتباره أنّ زمن الإخوان لم يأتِ بعد، ولدى استغراب مضيفه واستفساره عن هذه النقطة، كانت إجابة المرشد بأن زمن الإخوان لم يحن بعد، بل هو في المستقبل عندما ستتمكن الجماعة من بسط هويّتها بشكل أكبر في الدولة وقطاعاتها، ورغم طمأنات المرشد لـ "خليفة " بأن الدولة ستكون حينها أيضاً للجميع، إلا أنّ ما خفي في حديثه قضى على كلّ ما قدّمه من ضمانات، وخاصةً فيما يتعلق بمصادر تمويل الجماعة، وشكلها التنظيميّ..
وفي خضمّ كلّ هذا الجدل يقترح البعض منح الإخوان فرصةً، لا سيّما وأنّ كلّ ما نعرفه عن هذا التنظيم هو الأهوال التي روّجتها أنظمةٌ قمعيّة، استخدمت الجماعة فزاعةً ترهب بها شعوبها طوال عقود كبديلٍ عنها في حال سقوطها.. الصورةُ التي قد لا تكون من الصّحة في شيء ...
ولكن، ماذا لو أنّ جزءاً من الأسطورة كان حقيقيّاً، خاصةً ذاك الذي يتعلق بالتكفير وقمع الحريّات، وعدم قبول الآخرين ذوي الأفكار المختلفة عن سياسة الجماعة؟ .
أو ليست حادثتا الجدل السوريّ والتونسيّ إشارات لا يجدر بنا تجاهلها؟ إشارات قد تفضي بنا إلى ثوراتٍ تأخذ مع الوقت شكل الثورة الإيرانيّة على الشاه، لتكون النتيجة دكتاتوريّات جديدة، قد تكون أكثر قمعاً من السابق، تستتر بغطاءٍ دينيّ لتحقّق أهدافاً لا تزال في الخفاء ؟؟ .
بالمقابل، يبدو عزل الثقة عن الإخوان المسلمين وإبعادهم عن المساهمة في الحياة السياسيّة ضرباً من ضروب القمع والإقصاء مارستها الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب طلباً للديمقراطيّة والحريّات .
مجدّداً : الإجابة رهنٌ للوقت.. ويتعيّن على الإخوان المسلمين الانتباه والحذر، فالكلّ في ترقّب وانتظار.. ومما يثلج القلوب أنّه في حال الفشل، يتمكن الشعب هذه المرّة من انتخاب تيّاراتٍ أخرى، أو النزول إلى الشوارع مجدداً .
امتحاناتٌ كثيرةٌ تلك التي تنتظر الشعوب العربيّة، ولعلّ هذا لا يتعدّى كونه أول الغيث..
د . فطين البداد