مشروع قانون المطبوعات المعدل والثورة الإعلامية
رغم كل الدعم الملكي الذي حظي به الإعلام في الأردن بحرية سقفها حدود السماء إلا أن اعلامنا مايزال بائسا ويعاني الكثير من العقبات :
عقبات فرضتها الحكومات بما أقرته من قوانين وقيود تعيق حركة التقدم أو حتى الاستمرارية كما حدث ويحدث مع الصحف الورقية التي تتكبد خسائر مادية فادحة أودت ببعضها إلى الإغلاق، والبعض الآخر على الطريق .
هذا الحال لا ينطبق فقط على الصحف الورقية ، بل يتعداه إلى الوسائل الاعلامية الأخرى من قنوات تلفزيونية وإذاعية ، فماذا سوى الشاشة الرسمية المعروفة وشاشة أخرى خاصة ؟؟ ..
وأما المحطات الإذاعية الخاصة فهي كثيرة ، لكن ما تبقى منها القليل من تلك التي تمكن مالكوها من الاستمرارية وسط ظروف الجباية وقوانين الجمارك التي فرضتها المؤسسات المعنية، وكأن وجود هذه القنوات هو فرصة للكسب المادي بدل أن يكون دور المؤسسات المختصة دعم هذا الاستثمار وتشجيع أصحابه وتقديم كل التسهيلات اللازمة لهم لخلق حراك ثقافي اعلامي واسع الطيف ..
المواقع الألكترونية ، هي التي تمكنت فعلا من تحقيق تقدم ما على مستوى الانتشار ، فقد انتشرت بشكل واسع لتنقل واقع الأردن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً.. وأصبحت نافذة المواطن الأردني لاستقاء الأخبار والتعبير عن الآراء .
ونتيجة لهذا النجاح الكبير في هذا الشكل الاعلامي الجديد من تلقي الخبر والمعلومة والمشاركة في إبداء الرأي ظهرت مئات المواقع الالكترونية المتعددة الاختصاصات والتوجهات لكنها متفاوتة في النوعية والكفاءة :
منها ما هو جاد وملتزم ومسؤول في طرحه للموضوع والخبر ومنها من استفاد من هذه الفسحة الاعلامية في التشهير والإساءة والابتزاز .
هذا ما دفع بالحكومات الأردنية المتعاقبة إلى دراسة مستمرة لوضع مشروع قانون خاص بالمطبوعات والنشر ينظم هذه العملية ، ولكن غالباً ما باءت هذه الخطوات ومشاريع القوانين بالفشل بسبب ردود الأفعال المستنكرة والرافضة لما يدعونه : الحد من حرية الصحافة والتعبير .
لست مع الحد من الحريات بشكل عام وخاصة في ما يتعلق بالصحافة والاعلام ، فأنا - كمالك لمؤسسة اعلامية تطمح بالتوسع والانتشار وتحقيق رسالة اعلامية حرة ومسؤولة تكون على مستوى تطلعات المواطن الأردني - أول ما أنشده هو حرية التعبير، لكنني أيضاً أدعم وضع قوانين تنظم هذه الحالة الجنونية التي طالت المواقع الالكترونية ، والتي انتشرت بشكل عشوائي لتصبح مادتها : الانتقاص والإساءة ، ولتصبح صفحاتها : فسحة لكيل الشتائم وتبادل التهم بغية تحقيق انتشار سريع .
كل من ينتقد هذا الرأي أدعوه للنظر إلى الموضوع من ميثاق الشرف الذي توقع عليه المحطات التلفزيونية وبالتالي تخضع لقوانين شرف مهنية لا يجوز تجاوزها أهمها : السب والشتم وتوجيه الاتهامات بدون وجود حقائق وأدلة مثبتة .
كما أدعوه إلى الاطلاع على الاعلام الأميركي والأوروبي الحر الذي ينتقد ويوجه الاتهامات ضد رموز دولته مما قد يؤدي إلى إقالتهم وحتى سجنهم بناء على الأدلة المقدمة ، لكن ، وفي حال ثبت عدم صحة ما نشر ، فيحق لمن تعرض إلى الإساءة رفع دعوى قضائية ضد المالك أو رئيس تحرير هذه الوسيلة الاعلامية وقد تفرض غرامة مالية كبيرة عليها وأحياناً قد يتم إغلاقها .
إن مشروع قانون المطبوعات المعدل لا يحد من وجود مدونات أو صفحات خاصة على الانترنت تطرح وجهات نظر أصحابها.. لكنه يحد من استسهال المواقع الإخبارية الأردنية البحث عن المعلومة واتهام الآخر (كائناً من يكون ) .
لقد أصبح من الملائم في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها منطقتنا أن نحقق ثورة اعلامية تبدأ بالتزام أخلاق مهنية عالية ، واحترام الآخر .
فطين البداد