بين اللاجئ السوري وشقيقه الفلسطيني أربعون عاماً والحال واحد
يطلّ علينا بشار الأسد في لقاءٍ تلفزيونيّ مسجّل، يعلمنا بابتسامته أنّه في القصر الجمهوريّ، يطمئننا مجدداً أن المؤامرة ( الثورة ) في نهايتها وأن النّصر حليفه، وما هي إلا مسألة وقتٍ حتى تعود المياه إلى مجاريها، في استمرارٍ لهذياناتٍ سابقةٍ أرّقنا بها طبيب العيون حول انتصار الوطن على مؤامرةٍ “ كونيّة ” تحاك ضدّه وضدّ المقاومة وضدّ كلّ الشمّاعات التي يعلّق النظام السوريّ الحرب ضدّه عليها..
وينسى -أو يتناسى- : الطاغية ، ممارساته وجنوده المنحرفة ضدّ شعبه، فيستمرّ التنكيل والقتل والاعتقال والتعذيب حتى في وقت بثّ اللقاء الأكذوبة، وتنساب دماء أهل داريّا، البلدة التي لا تبعد إلا كيلومتراتٍ قليلةً عن العاصمة دمشق، تنساب لتنكشف مجزرةٌ علّها الأكثر وحشيّةً بين سابقاتها، يزيدها قبحاً الأسلوب الإعلاميّ لمحطّات النظام في التعامل مع المشهد الدامي، حيث تتجوّل مذيعة قناة الدنيا " ميشلين عازر " بين جثث القتلى وكأنها في بستانٍ للزهور، تجري المقابلات مع من يلفظون أنفاسهم الأخيرة في مشهدٍ يثير الرعب والحفيظة تجاه هذا النظام ومؤسساته التي فقدت كلّ قيمةٍ إنسانيّةٍ على ما يبدو..
الأسد، ومن على كرسيّه في القصر الجمهوريّ (بحسب أقواله)، يستمرّ في تكرار الرواية إيّاها، في حين يزداد عدد اللاجئين السوريين إلى دول الجوار كلّ يوم، ويفوقه عدد اللاجئين داخليّاً ليبلغ الثلاثة ملايين، بعد أن دُكّت مدنٌ عديدة أرضاً على يد العصابة الأسديّة..
ويجب ألا ننسى أنّ هذا اللقاء (المسجّل) ترافق بظهوره مع قمّة عدم الانحياز التي عُقدت في طهران، والتي وجّه خلالها الرئيس المصري محمد مرسي خطاباً قاسيّاً اتهم فيه الحكومة والنظام السوريّ بإبادة الشعب الذي انتفض من أجل الحريّة، على غرار ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكاتٍ في حقّ الشعب الفلسطينيّ، الكلام الذي لم يردّ عليه نظيره الإيرانيّ "نجاد " أو المرشد الأعلى الإيرانيّ، فتجنبا تماماً الحديث في الشأن السوريّ، مما دفع بالوفد السوريّ إلى الانسحاب من المؤتمر، على الرغم من تحريف التلفزيون الإيراني الرسميّ لكلام الرئيس مرسي عبر مترجمها الفوريّ، بحسب تقريرٍ لقناة الجزيرة..
كلّ هذا يتواكب مع المزيد من الشجب والتهديد الغربيّ، والكثير من الطمأنات حول الأيام المعدودة الباقيّة لهذا النظام الوحشيّ، والكثير الكثير من الإصرار الروسيّ على حلّ سياسيّ، دون أن يترافق أيٌّ مما سبق بخطواتٍ عمليّة على أرض الواقع، تماماً كالمساعدات المهولة التي تقدمها دولٌ عربيّة وغربيّة للاجئين السوريين في الخارج وتحديداً في الأردن التي وصل عدد اللاجئين السوريين فيها إلى ١٨٠ ألف لاجئ، والتي يبدو أنّها مساعداتٌ شفهيّة..
كل يوم نتابع عبر المحطات التلفزيونية تقارير عن نداءات من اللاجئين السوريين وتحديداً في مخيم الزعتري لتحسين أوضاعهم وظروفهم المعيشية وفق الحد الأدنى من متطلبات الحياة، حتى أن البعض وصلت استغاثته إلى طلب المساعدة لإخراجه من المخيم ليعود إلى بيته في وطنه حتى لو دُمر فوقه وفوق عائلته وأولاده وكان مصيرهم جميعاً الموت..
وفي نشرة إخبارية أخرى تُبث تقارير عن حجم المساعدات والمعوّنات التي تقدمها الدولة الشقيقة والصديقة لسوريا لمخيم الزعتري تحديداً في الأردن كونه يضم العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، لكن دون أن نلمس هذه المساعدات على أرض الواقع..
وعود تُقدم للحكومة الأردنية بمساعدتها في احتواء اللاجئ السوري دون أي تجسيد لهذه الوعود لتتكفل الأردن وحدها بجارتها السورية وأبنائها السوريين بقلب كبير وأيادٍ بيضاء..
مساعدات ومعونات وهبات تعود بنا إلى الوراء إلى أكثر من أربعين سنة مضت عندما وعدت معظم الدول العربية اللاجئين الفلسطينيين بدعمهم في مخيماتهم وتأمين وسائل حياتية مريحة لهم، لكن هذه الوعود ظلت في إطار الكلام المعسول المنمق ليصبح الفلسطيني والقضية الفلسطينية الحجة أمام الكثير من الدول العربية لتستجدي المال بحجة اللاجئ الفلسطيني الذي يثقل كاهلها.
د. فطين البداد