متسولون .. وفاسدون !!
يحكى أن أحدهم طلب المساعدة من صديق بدعمه ببعض المال ، فهرع الصديق لتلبية النداء، ثم طلب المساعدة مرة آخرى فسارع الصديق للمساعدة.. ثم مرة ثالثة ورابعة وخامسة...الخ، حتى صمّ الصديق أذنيه عن نداءات صديقه لأنه في كل مرة يطلب فيها الأخير المال يعد صديقه بصرف هذه النقود في الطريق الصحيح الذي يعود عليه بالنتائج الجيدة فيحصد ما جناه منه ويعم الخير عليه وعلى أهله فيكفي نفسه السؤال.. إلا أن حاله لم يكن كذلك ، لأنه كان يأخذ هذا المال ويصرفه على ملذاته وملذات أصحابه متناسياً احتياجات أهله وعشيرته واثقاً بأن صديقه لن يبخل عليه بالهبات، فما كان من هذا الصديق إلا أن بدأ برفض إعطائه المال وفي أحسن الأحوال يضع الشروط ويعيق أي مشروع لدى صديقه الذي لم يعد يثق به.
هذا هو حالنا في الأردن.. فالأردن كما هو معلوم لدى شعبه وجيرانه وأشقائه وأصدقائه بلدٌ يعيش على المعونات والهبات من كل هؤلاء، لكنه - في نفس الوقت - بلدٌ غني بثرواته وحضارته وإمكانيات شعبه.
الأردن يمتلك موقعاً جغرافياً ممتازا فهو ممر تجاري يصل الغرب بالشرق، والأردن يتمتع بطقس رائع وحضارة عمرها آلاف السنين ويمتلك من الآثار والمعالم التاريخية ما جعلها تكون إحدى عجائب الدنيا السبع.
مثالان من عشرات الأمثلة : العقبة ميناء تجاري هام على البحر الأحمر.. و البحر الميت، أخفض نقطة في العالم على مستوى سطح الأرض فلننظر ونتمعن .
الأردن الذي يمتلك أهم المستشفيات والخبرات الطبية في الوطن العربي والعالم، لديه من الجامعات والمعاهد الأكاديمية المنتشرة على مساحة الأردن ما يؤهله ليكون من أهم بلدان العالم في السياحة الآثرية والدينية والطبية والعلمية وهو ما يفترض أن يجلب له دخلاً قومياً هاماً ، ناهيك عن ثرواته في الفوسفات وحتى المياه التي يمكن استخراجها واستدراجها من خلال الديسة في وادي رم وأقنية من البحر الأحمر تصل المياه إلى كل أنحاء الأردن مما يكفيه عبء ومذلة السؤال..
مع كل هذه الامكانيات والامتيازات التي يمتلكها الأردن وغيرها الكثير ، فإنه بلدٌ يطلب المساعدة من الأصدقاء ويعيش على المعونات والهبات، وقروضه اليوم تفوق ٢٠ مليار دولار وشعبه يرزح تحت ضغط الديون الذي يؤدي إلى رفع الأسعار ليكون الشعب في نهاية المطاف هو من يدفع الفاتورة، مما يزيد من احتقان وغضب الشارع ويعيق حالة الاستقرار الذي يتمتع به الأردن.
كل ما سبق ذكره يعود إلى حالة الفساد الكبرى التي تستشري في الكثير من المفاصل و " المعاقل " مما يجعل الأردن في حالة تسوّل دائمة خاضعاً لشروط من يمُنُّ عليه بالمعونات.
حالة فساد تتجلى في نهب موجودات الدولة وفي خصخصة القطاع العام وفي تراجع القطاع الاقتصادي والخدمي وفقدان ثقة الشعب بحكومته وبرلمانه.
فساد لا يمكن التخلص منه إلا بحل واقعي جذري لجهة حل الأزمة المالية للدولة عبر استرداد المنهوبات وإيرادات المؤسسات المخصخصة، وإعادة توزيع الثروة وتمويل تحسين الخدمات، بواسطة قانون الضريبة التصاعدية على الدخل والأرباح، وقد نوقش هذا الخيار بجدية، في الصحافة والندوات العامة، وتحوّل إلى شعارات شعبية.
هذا هو حال الأردن في ظل الفساد القائم المستشري الذي سيودي بالبلاد إلى منعطف خطير لا تضمن عواقبه بينما من هم في موقع المسؤولية يصولون ويجولون دون اتخاذ أية خطوة جذرية تحد من المضي بالأردن إلى واقع بائس.
الأردن بلد الخير والعطاء يتسول المعونات من الأشقاء والأصدقاء الذين باتوا يرفضون اليوم المساعدة ، كون الأردن أضحى عبئا كبيرا عليهم.. ما أدى بالحكومة إلى التوجه إلى صندوق النقد الدولي واقتراض ٢ مليار دولار لتسيير شؤون الدولة.
نتسوّل ثم نغرق في الفساد فنخسر ما تسوّلناه لنعود ونعيش مذلة السؤال.
فطين البداد