عندما يعلو صوت نتنياهو على صوت عباس في الأمم المتحدة !
أثار خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ٦٧، العديد من التباينات والانقسامات في الرأي الفلسطيني..
ورغم تباين هذه الآراء بين مؤيدٍ لعباس معتبراً خطابه هذا بداية مرحلة جديدة في التعاطي مع تل أبيب وواشنطن، يرى آخرون أن الخطاب لم يأتِ بجديد ولم يعكس حالة الإجماع الوطني.
وفي الوقت الذي ندعو فيه إلى دعم عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الضغط الأميركي لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والاعتراف بفلسطين دولة موحدة مستقلة إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول أن الخطاب خلا من أي لغة " سياسية " جديدة من شأنها " توجيه " مشاعر وقناعات الحضور والجمهور نحو قضية فلسطين إلا في محطات معدودة : عندما ذكر الرئيس الراحل ياسر عرفات، وأيضا عند حديثه عن الربيع الفلسطيني وساعة الاستقلال ، وكانت اللحظة الأكثر دوياً دعوته إلى الاعتراف بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة وإعلانها دولة مستقلة ، مع تنويهنا في نفس الوقت أنها دعوة " عاطفية " مؤثرة خاصة عندما تحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والاستيطان والعدوان، ومع كل ذلك ، فإن الخطاب لم يلقَ الاهتمام من الشعب الفلسطيني الذي اعتاد خطابات عباس التي لا تعود بالنفع أو التغيير عليه وعلى قضيته.
ونستذكر في هذا المقام الرئيس الراحل ياسر عرفات ، فبالعودة لهذه الشخصية النضالية نجد رجلا أمضى سنوات عمره مناضلاً شريفاً في سبيل قضية نذر لها حياته، وكان يمتلك مقومات المقاوم الفلسطيني بكوفيته، وكريزما الخطيب الذي يستطيع بحضوره وكلماته المعبرة عن الواقع الفلسطيني أن يهزَّ عرش الأمم المتحدة ويستقطب اهتمام العالم بأحقية قضية شعب اقتلع من أرضه طغيانا وظلما ، ولو عدنا لخطاب عرفات في الأمم المتحدة في سنة ١٩٧٤ الذي أشار إليه عباس في بداية كلمته فإننا نجدالرسالة وصلت إلى العالم وممثليه على الفور ، حيث تم تحديد الطلب بقوة وعنفوان منقطع النظير : " نحمل غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الاخرى فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي " .. واستطاع هذا الخطاب أن يلقى دعم وتأييد الشعب الفلسطني بكافة فصائله وأحزابه وقادته، بينما تلقى الفلسطينيون خطاب محمود عباس بلا مبالاة شعبية وتباين سياسي وهجوم اسرائيلي.
على الطرف الآخر ، استطاع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي أن يحقق ظهوراً لافتا ، خاصة في كلمته في الأمم المتحدة عندما تحدث عن " إنسانية " الشعب الاسرائيلي تجاه شعوب الأرض، وعن حزن وقلق الاسرائيلين لما يتعرض له الشعب السوري من قتل وتعذيب وتنكيل .
وكانت اللحظة الأكثر دبلوماسية عندما عرض رسما شبه كاريكاتوري لقنبلة ذات فتيل مشتعل، ورسم خطا أحمر على عنق الفتيلة ورافق هذه الإشارة مع لغة قاسية في شأن برنامج إيران النووي دعت العالم كله يتبنى وجهة نظر إسرائيل في ما يتعلق بهذا الملف .
لقد استطاع نتنياهو أن يمرر مجموعة من الرسائل في خطابه الأخير في الأمم المتحدة : منها : الملف الإيراني الذي اعتبره قضيته الحالية محاولاً تأليب القوى العالمية ضد طهران متناسياً ممارساته داخل فلسطين من استيطان وقتل وتشريد وابتلاع وطن شعب آخر ، وهذا ذكاء خبيث نعترف به وكنا نتمناه للرئيس الفلسطيني لا لعدو العرب والمسلمين ومبتلع القدس الشريف .
لقد استطاع نتنياهو أن يستغل الورقتين الإيرانية والسورية في خطابه للفت الانتباه عن ممارسات اسرائيل العدوانية في فلسطين ، وقد نجح في ذلك بحيث تصدر ملف إيران النووي معظم عناوين الأخبار في المحطات التلفزيونية العالمية وفي الصحف والوسائل الاعلامية المختلفة.
لقد آن الآوان لزعماء عرب أن يدركوا نقاط الضعف في خصومهم وأعدائهم ، ويحددوا استراتيجتهم ويبتعدوا في خطاباتهم عن الكلمات الرنانة والعبارات الطنانة لأن زمانها ولى وانقضى .
د.فطين البداد