" غينيس " وحكومات الأردن
تدخل المملكة الأردنية الهاشمية كتاب " غينيس " الشهير للأرقام القياسية بتحقيقها رقماً قياسيا في تغيير عدد الحكومات الأردنية ، حيث تعاقب على مملكتنا خلال العشر سنوات الأخيرة أكثر من ثماني حكومات لا تتجاوز مدة الحكومة الواحدة فيها أكثر من سنتين ..اللهم إلا حكومة دولة السيد عون الخصاونة الذي قدم استقالته في ٢٦/٤/٢٠١٢ وحكومة السيد عدنان بدران التي قاربتها في نفس العمر .
لقد أصبح تبديل الحكومات في الأردن في الآونة الأخيرة حلاً للحد من غضب الشارع الأردني تجاه انتشار الفساد والإهمال وغلاء الأسعار وارتفاع الضرائب ، حتى ساد اعتقاد لدى قطاعات كبيرة من المواطنين : أن اي حكومة جديدة ليست سوى " إبرة المورفين " المهدئة للشارع بهدف إعطاء فرصة للحكومة لدراسة مطالب الشعب وإحداث التغيير والإصلاح.. ويضيف هؤلاء : إن مفعول هذه الإبرة سرعان ما يزول ليبقى الحال على ما هو عليه دون أن يشهد الشعب الأردني أية خطوات فعالة من شأنها تحقيق مطالبه في العيش الكريم .
ولا تهدأ التعليقات أو الإسقاطات السياسية على المثال أعلاه ، بل إن أصحاب هذا الرأي يقولون : إنه وبعد الإبرة الأولى يُصار إلى جلب إبرة مورفين جديدة مع حكومة أخرى لكن دون علاج لهذا المرض الخبيث الذي أخذ يستشري في جسد الوطن شيئاً فشيئاً، فتُسرق وتنهب أمواله وخيراته على مرأى الحكومات المتعاقبة ويعاني الشعب مرارة المرض وآثاره من فقر وعوز وانتشار للبطالة وقلة فرص العمل ، وتبدأ رحلة الشباب الأردني في البحث عن هجرة أو وظيفة خارج الأردن تعينه على بناء مستقبل أفضل والعيش حياة هانئة لم تتوفر له في وطنه.
غريب أمر حكوماتنا وقراءاتنا ، ففي الوقت الذي يندد فيه الأردنيون بما يعانونه من انتشار للفقر والعوز والبطالة خلقها كلها الفساد المستشري في جسد بعض مؤسسات الدولة والسرقات والرشاوي التي يقوم بها " بعض " من هم في موقع المسؤولية واتخاذ القرار، نجدهم هم أنفسهم من ينادون بمحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين ومعاقبتهم ، وفي نفس الوقت يهللون لنفس الأسماء وذوات الأشخاص في الانتخابات النيابية التالية .
بعض فاسدي الأمس هم مرشحو اليوم والشعب الذي أدناهم في السابق يقيم على شرفهم الولائم الآن ..
عجبي على شخص كان في موقع المسؤولية يوماً فخان الأمانة وبدلاً من أن يحدث تغييراً إيجابياً بحكم منصبه ، وينقش لنفسه سمعةً طيبة بفعل إنجازاته، إذ به يستغل منصبه في تحقيق مكاسب شخصية ضارباً عرض الحائط مسؤولياته تجاه شعبه ووطنه .
وعجبي على حكوماتٍ بدلاً من أن تحيل هؤلاء الأشخاص الفاسدين إلى المحاكم المختصة لمحاكمتهم على ما ارتكبوه في حق وطنهم، واذ بها تقيلهم من منصب لتعينهم في آخر.
وعلى صحافة تكتب وتدين الفساد والمفسدين وتنشر ملفاتهم وتفضح ممارساتهم في موقع، ثم تمدح وتبارك أصلهم ونسبهم وأخلاقهم وأفعالهم وإنجازاتهم في موقع آخر..
ثم إنني أحتار في البعض ممن يعاني الأمرين من الفوضى وعدم الاستقرار وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وعطالة الشباب وهجرتهم، فيخرج في مظاهرات يطالب فيها بالإصلاح والتغيير وإسقاط الحكومة وتحويل الفاسدين إلى القضاء.. ثم تراه يرشح المسؤول الفاسد نفسه ليكون صوته في المجلس النيابي الساهر على تحقيق مطالبه وتطلعاته.
كيف يمكن أن نطالب بالحق بينما نحن نشجع على الباطل ؟ كيف نجعل من شخص نهب بلده ممثلاً لشعبه تحت قبة البرلمان.. كيف نسقط حكومة ونعين حكومة بديلة والحال سيان والوضع على ما هو عليه.. أليس هذا هدرا للوقت والمال العام وضحكا على اللحى واستغلالا للبلد ومقدراته ؟ ! .
ليست المشكلة في هذه الحكومة أو تلك، ولن نكتب عن الحكومة الجديدة أو التي سبقتها وحتى التي ستليها فالأمر واحد ، والقضية ليست في عملية التغيير والتبديل وإنما في آلية العمل والتفكير وفي نظرتنا إلى وطننا وتطلعاتنا نحو مستقبل أفضل للأردن وشعب الأردن.
د.فطين البداد