أجرأ رئيس حكومة في المملكة الرابعة .. ولكن
حالة من الغضب العارم يعيشها الشارع الأردني بعد أن أصدر رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور قرار رفع دعم الحكومة عن المحروقات والمشتقات النفطية مما سيؤدي بالتالي إلى ارتفاع الأسعار في كل مرافق الحياة.
هذا القرار الأجرأ الذي اتخذته الحكومة الحالية بعد تأجيل طويل من قبل الحكومات السابقة في المملكة الرابعة خوفاً من ردة الفعل المتوقعة من غضبٍ ورفضٍ واحتجاجٍ لدى الشارع الأردني، هو قرار لابد من اتخاذه ولا يمكن إرجاؤه أو تأجيله أكثر من ذلك لأن الإرجاء سيعود بالأذى والضرر على الاقتصاد الأردني، وعلى هذا نفسر غياب الظهور الملكي ، وعلى هذا أيضا نتابع للنسور عدة مقابلات يشرح فيها للرأي العام المحلي والعالمي أسباب حكومته في اتخاذ مثل هذا القرار وهي تعرف مسبقاً ردة الفعل الغاضبة تجاهه.
إن أي خبير اقتصادي أو محلل أو مطلع على أحوال الأردن الاقتصادية وعلى خزينة المملكة يعلم كيف عانى الأردن هذا العام أسوأ أعوامه من عجز يفوق ٨ مليارات دولار، خاصة بعد أن توقفت بعض الدول العربية عن تقديم المعونات المادية، وبعد أن توقف توريد الغاز المصري للأردن رغم الاتفاقيات المبرمة .
لكن : لماذا توقفت المعونات العربية ؟ هذا سؤال كبير لابد وأن نتوقف عنده لاحقاً!!، وإجابته بالتأكيد هي ما دفعت بالحكومة، بحسب الدكتور النسور، إلى أن تفعل ما تفعله تقريباً كل حكومات الأرض وهو بيع المشتقات النفطية بسعر كلفتها.
وقد أكد الدكتور النسور بأن هذا القرار لن يمس الأسر الفقيرة ومتوسطي الدخل لأن كل مواطن أردني يصل دخله السنوي إلى ١٥٠٠٠ دولار فما دون ولديه عائلة مكونة من ٦ أشخاص فلن يتكلف قرشا واحداً لأن الحكومة ستقدم له دعماً مادياً بقدر ارتفاع الأسعار..
ربما تحسب هذا الخطوة الجريئة لصالح رئيس الحكومة ، خاصة وأنه لم يمر على اختياره رئيساً سوى خمسة أسابيع في ظل أوضاع غير طبيعية تعيشها المنطقة بأكملها وفي ظل حالة الاحتقان الشعبي التي يعيشها الشارع الأردني أساساً بسبب غلاء المعيشة وقلة الحيلة.
لكن يجب على النسور أن يتبع اتخاذ هذا القرار بمجموعة من الخطوات الموازية بحيث يتم تنفيذ قانون (من أين لك هذا ) الذي تم اقراره مؤخراً من قبل مجلس الوزراء في انتظار عرضه على مجلس الأمة ( الأعيان والنواب ) والذي من شأنه أن يلاحق الفاسدين والمفسدين الذين نهبوا ثروات الأردن ومحاكمتهم وإعادة الأموال المسروقة إلى خزينة المملكة وهي خطوة من شأنها أن تخفف من غضب الشارع واحتجاجه الذي تجاوز المظاهرات السلمية فرأينا وسمعنا الهتافات وحرق الممتلكات العامة والخاصة وتعريض أمن واستقرار الأردن إلى حالة من الفوضى والسرقة والنهب وارتكاب المحظورات وغيرها .
يجب على حكومة النسور أن تمضي قدما في جرأتها وتتخذ خطوات عملية وواضحة بمعاقبة كل فاسد أساء لمنصبه ومسؤولياته ووطنه واعتدى على مقدرات الوطن مهما كان حجم الإساءة كبيرة كانت أم صغيرة، وتقديم هؤلاء للقضاء والمحاكمة، والإعلان عنهم في الإعلام الأردني ليكونوا عبرة لمن يعتبر وليعلم الشعب الأردني بأن الحكومة جادة في الإصلاح وأنه ليس هو وحده من يدفع فاتورة العجز وإنما سيُعاقب كل من كان سبباً فيه .
على الحكومة أن تعمل جاهدةً وبخطوات مدروسة وعلمية وعملية وملموسة على تنشيط الاقتصاد الأردني من خلال تهيئة البنية التحتية للاستثمار وجذب المستثمر بتقديم كافة التسهيلات في القوانين والنظم والتشريعات، لأن الأردن بما يتمتع به من سمات تتعلق بالتاريخ والحضارة والجغرافيا والطقس والأمن والأمان اللذين يتميز بهما الأردن، كذلك الخدمات الطبية المتميزة والمدارس والجامعات ذات المواصفات العالمية ، ذلك كله ، يؤهل الأردن لأن يكون بيئة استثمارية مميزة ومركزاً لجذب المشاريع المختلفة.
إن في جعل الأردن قبلةً للاستثمار وحاضنة للمشاريع الكبرى والاستثمارات الضخمة إنعاش للاقتصاد الأردني وتوفير لفرص العمل لشبابنا وتحقيق لتنمية مستدامة منشودة ، مما يجعل من الأردن بوابةً للعالم على الشرق وبوابة للشرق على العالم.
إن لم تتخذ الحكومة خطوات مماثلة أو لم تدعم قرارها برفع الدعم عن المحروقات والمشتقات النفطية بقرارات من شأنها أن تطمئن أبناء الوطن، فهذا سيكون بمثابة الدعوة إلى النزول إلى الشارع والتظاهر وفرض حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في حال تمنينا أن لا تأخذنا الأمور أبعد من ذلك .