عائدون ... إلى مخيم اليرموك !
لعلَّ الأحداث الأخيرة التي جرت في سوريا وكان ضحيتـَها - هذه المرة - الفلسطينيون اللاجئون في مخيم اليرموك في دمشق، لعلها نكبة ثانية للفلسطينيين (كما صرّح رئيس حكومة حماس في غزة اسماعيل هنية) وكما هو واقع الحال .
كم من مرة على الفلسطيني أن يرحل، وكم من مفتاحٍ سيتدلى من حافظة مفاتيحه التي باتت " تنوء بالعصبة أولي القوة " !! .
هل يُعقل أن يسيل الدم الفلسطيني على أرض سوريا التي ضحى شعبها بالكثير من أجل فلسطين والقضية الفلسطينية ؟؟ سوريا التي استقبل شعبها بحب وكرم الفلسطينيين فأصبحوا جزءاً من نسيجهم الاجتماعي والعائلي ؟؟.
إن النظام السوري الفاسد والبائس و" البائد " قريبا ، والذي تغنى لعقود طويلة بمزاعم دعمه للقضية الفلسطينية ، وحمل شعارات زائفة تدعي الممانعة والمقاومة، انكشف على حقيقته منذ بداية الثورة السورية العظيمة ، فتجلى للمراقب ولكل ذي عينين أنه نظامٌ لا يتوانى عن قتل وتعذيب وتهجير وتشريد أبناء وطنه، فكيف له أن يكون أميناً على شعبٍ استأمنه على حياته وأمنه واستقراره ؟؟ .
هو يستمر في كذبه وخداعه عندما يوجه الاتهامات إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة - بحسب تعبيره - مدعيا أنها قامت خلال فترة الأزمة في سوريا بتهديد الفلسطينيين وقتل عدد منهم، ثم قيام جبهة النصرة ومن يدعمها مؤخرا بهذا الهجوم على مخيم اليرموك بمدافع الهاون والأسلحة الرشاشة واحتلال أجزاء منه ، ما أدى إلى تهجير آلاف الفلسطينيين وتدمير المنازل والمشافي والجوامع ، ليوحي هذا النظام الكاذب والفاسد بأنه براء من كل ما وقع في المخيم من سفك دماء وتهجير واختطاف وخلافه .
ليس غريبا ولا مستهجنا أن يستخدم نظام مثل هذا النظام هذه الدعاية الرخيصة وبكل وقاحة على حساب دم الشعب الفلسطيني ومعاناته !!.
إن الذي لم يدركه النظام السوري بعد : أن قواعد اللعبة باتت واضحة ومكشوفة وأن كل أكاذيبه وترهاته لم يعد يصدقها أحد، وإن هذا العمل الإجرامي والمأساة الأخيرة التي خلفها في مخيم اليرموك بقصفه للشعب الفلسطيني دليل إضافي على مدى همجيته واستبداده وأهمية زواله لأنه بات يشكل خطراً على المنطقة بأكملها.
لقد تم الاتفاق مؤخراً بين ممثلي الفصائل الفلسطينية وبقرار شعبي على عودة اللاجئين الفلسطينيين ، ولقد عادوا بالآلاف في كتلة واحدة عبر مسيرة حاشدة مرددين هتافات : (عائدون إلى مخيم اليرموك ) ، ويا له من مشهد فظيع أليم ذي دلالات ، أن يصبح حلم هؤلاء المساكين - وإن كان حلما مؤقتا - العودة إلى بيوتهم المتواضعة المتهالكة في المخيم الدمشقي بدل العودة إلى فلسطين .
وقد دعا رئيس دولة فلسطين محمود عباس في أكثر من مناسبة لضرورة تجنيب الفلسطينيين ويلات الصراع السوري.. وطلب - جراء المأساة الأخيرة التي عصفت بفلسطينيي المخيم - من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمجتمع الدولي تمكين الفلسطينيين النازحين في سوريا من التوجه إلى فلسطين المحتلة بسبب ما تتعرض له المخيمات الفلسطينية في سوريا من تهديدات أمنية، وهذا حق مشروع لكل دولة بالطلب من أبنائها المتواجدين في مناطق النزاعات العودة إلى بلادهم .
اليوم ، علينا جميعاً - عرباً ومجتمعا دوليا بأكمله وبشكل حقيقي وفعلي - واجب ومسؤولية وقف المجازر ووقف سفك دماء الشعبين السوري والفلسطيني.
إن ما يحدث في سوريا يومياً وما حدث في مخيم اليرموك هي جرائم حرب لا يمكن تمريرها وإنما يجب التحقيق فيها وإدانتها وإتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاضاة مرتكبيها لأنها تتنافى مع قواعد القانون الدولي الإنساني ومع التزام الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين بتوفير الحماية والرعاية لهم طوال زمن اللجوء .
على النظام السوري أن يدرك بأن الورقة الفلسطينية لم تعد رابحة في يده أو في يد غيره.. وأن إقحام مخيمات الفلسطينيين في الصراع الدائر في سوريا هي محاولة بائسة وفاشلة تؤكد عجزه وفشله ، فقد أزفت ساعة رحيله ذميما مدحورا بأيدي الشعب السوري العظيم وثورته المظفرة .
د.فطين البداد