ذاب الثلج وبان المرج !
لعلَّ الثلوج التي غطت أرجاء المملكة الأردنية الهاشمية في الأيام القليلة الماضية حملت معها هذا الإحساس الطفولي الذي عادةً ما يرافق تساقط الزائر الأبيض ، فحتى الكبار يتحولون في هذه اللحظات البيضاء إلى أطفال صغار يفرحون ويمرحون بكل حبورودعة .
ورغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الأردني ، ورغم البرد القارس ، وانعدام وسائل التدفئة لدى كثيرين بسبب الفقر والعجز، غير أن الأردنيين قابلوا الثلج بفرح عارم جمّع قلوبهم على المحبة.
تجلى هذا الحب وهذه النخوة والشهامة الأردنية أول ما تجلى في الجيش الأردني .. الجيش الذي لم يقتصر واجبه على حماية حدود الوطن من أعدائه بل يتعداه إلى تلبية نداء كل مواطن محتاج .
لقد تدخلت آليات الجيش الأردني لفتح الشوارع المغلقة حاملة الخبز والماء وأحيانا الدواء لمواطنين " انقطعوا " عن بلوغ احتياجاتهم في القرى والمدن والبوادي بسبب الظروف الجوية ، وكذلك الأمر بالنسبة للأمن العام والدفاع المدني اللذين تواجدا في كل لحظة لإغاثة أي مواطن ولمنع أية حوادث في مثل هكذا أجواء .
هذا السلوك الحضاري والإنساني جاء استجابة لأوامر مباشرة من سيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني الذي حرص على زيارات شخصية ميدانية لمعظم المناطق في الأردن ليطمئن على رعيته الوفية التي تبادله حبا بحب ووفاء بوفاء .
لقد أصدر جلالة الملك توجيهاته إلى كل أركان الحكومة والأجهزة المعنية لتكون سلامة المواطن الأردني أولاً وفوق كل اعتبار ، فتمر هذه الأيام والليالي الباردة جميلةً نقية كبياض قلوب الأردنيين .
إن العواصف الثلجية القاسية التي مرّت على الأردن هذا العام ليست جديدة على مناخ الأردن في مثل هذا الوقت من كل عام ، مع أنها غابت لسنوات ، ولكنه شتاء الأردن الذي يبدو ناقصاً من دون إكتساء المملكة بالثوب الأبيض الجميل .
وبينما كان الأردن مُهيأ في السابق ببنية تحتية قوية قادرة على تحمل ومواجهة هذه الظروف الجوية القاسية، إذ به يظهر اليوم ونتيجةً لشبهات الفساد المتفشي في بعض إداراته ومؤسساته وبسبب انحياز البعض ممن هم في موقع المسؤولية إلى مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة الوطن والمواطن : إذ به يظهر على غير ما يحب سيد البلاد ويرضى ، فكانت هذه النتائج الكارثية التي برزت في مشاهد مؤسفة من مثل انهيار بعض الطرق وبعض الجسور وانسداد بعض المنافذ والأنفاق وغيرها .
الآن ، وبعد أن ذاب الثلج وبان المرج، أوجه سؤالي لحكوماتنا الرشيدة : هل سنغض الطرف مرة أخرى عن مشاكلنا ؟ هل سنعتبر العاصفة الثلجية " سحابة عابرة " أو كما يقول أخوتنا المصريون " مشكلة وعدت " ونعود مرة أخرى إلى اجتراح أنفاق لا تحتمل ، وجسور لا تتحمل ، وسدود لا تقاوم ، وطرق لا تطيق ماء ولا ثلجا ولا برَدا ؟ .
ألا يستحق الأردن الكبير بملكه وجيشه وشعبه، كما يشهد بذلك القاصي والداني ، وكما وصفه الاعلامي فيصل القاسم على صفحته على الفيس بوك ، أن نغلّب مصلحة الوطن فوق كل المصالح الأخرى؟..
هل علينا أن ننسى كحكومة، في حين أن الشعب الأردني لم ينسَ يوماً، إخواننا السوريين في مخيم الزعتري وهذه الظروف القاسية الصعبة التي يعيشونها في هذا البرد القارس الذي جمّد أصابع الأطفال وسحق كل أمنياتهم بصنع رجل من الثلج شأن أطفال الدنيا !! .
لتكن إنجازات حكومتنا ومسؤولينا تجاه الأردن وشعبه بمستوى تطلعات الملك والشعب الأردني وبرقي أخلاقه وصفاته النبيلة.