المانحون ودعوة أحمد معاذ الخطيب
الآن ، وبعد أن انفض مؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت الأربعاء 30 يناير/ كانون الثاني 2013 بغية جمع التبرعات للشعب السوري ، برزت مواقف محددة في سياق الثورة وآفاقها القريبة والبعيدة ( ولنا مع هذه وقفة بعد سطور) ، غير أنني - كمواطن عربي ، أجدني أقول عفويا : " كثر الله من خير كل أصدقاء سوريا، إلا أنه يحضرني أيضا قول للكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير: “ ربي احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيلٌ بهم " .
ينطبق القول أعلاه على أصدقاء سوريا ، إذ لم يتم دعوة الائتلاف الوطني السوري المعترف به ممثلاً شرعياً للشعب السوري لحضور هذا المؤتمر ، في حين مثل الأسد فيه كل من روسيا وإيران ، مما يؤكد أن حلفاء الأسد كانوا مصرين على إظهار موقفهم العلني الواضح المتمثل في إبقائه في السلطة وبأي ثمن ، وكثيرا ما سمعنا الدولة الفارسية تؤكد بأن أي اعتداء على النظام السوري يمثل اعتداء على إيران أيضاً ، وكثيرا ما سمعنا أيضا مواقف روسية تدعم بقاء الاسد ، وهذا ما عبّرت عنه هيلاري كلينتون مؤخراً عندما قالت بأن روسيا غير جادة في مواقفها تجاه سوريا والشعب السوري من جهة وقف العنف والتدمير الذي تقوم به آلة الحرب الرسمية وأن إيران تدعم النظام بكل قوتها .
في ظل ما سبق ، أعلن رئيس الإئتلاف السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب عن استعداده " المشروط " للحوار مع ممثلين عن النظام ، وهي دعوة أطلقها أولا عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي ، وما لبث أن أعادها رسميا ، وهي تشي بأمر ما ، حتى وإن كانت الشروط التي ساقها في دعوته تعتبر تعجيزية للعصابة الحاكمة ، وتتمثل في : " رحيل الأسد أولا ، وإطلاق المعتقلين والمعتقلات ، وأن تكون أيدي الجالسين على طاولة الحوار غير ملطخة بدماء الشعب السوري ، وأن يتم تجديد جوازات سفر السوريين في الخارج " .. وسواء سيقت هذه الدعوة وشروطها في ظل ظرف سياسي ضاغط يعيشه الإئتلاف أم لا ، إلا أن واقع الحال يقول إن الدعوة أطلقت ، لتدحض كل ادعاء بأن المعارضة تضع العصي في دواليب الحلول السياسية ، وهو ما روج ويروج له الإيرانيون والروس .
وفي ذات الوقت ، استغل نظام الأسد الغارة الإسرائيلية الأخيرة لتسويق نفسه ، على اعتبار أن إسرائيل هي المستفيد مما يجري على الأرض السورية ، ولكن دون أن نشهد أي تحرك من قبل " حماة الديار" تجاه هذا العدوان ، محتفظاً النظام لنفسه بحق الرد " في الوقت المناسب" كما هي عادته ، كونه " مشغولا الآن " بتوجيه ترسانته الحربية نحو شعبه ونحو المدن والقرى السورية ، لينطبق عليه قول الشاعرعمران بن حطان : ( أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ .. ربداءُ تجفل من صفير الصافر ِ ) .
إن سوريا بحاجة من السوريين أنفسهم للكثير من العمل الدبلوماسي المكثف ، لكي تتوقف كثير من الدول المعنية مباشرة في الشأن السوري عن اللعب على الحبال ، والتسويف وانتظار ما يقرره " الكبار " حيال السوريين الذين يقتلون بالآلاف ، وليس هذا فقط ، بل لتتوقف هذه الدول عن لعبة " الخلاف " ولعبة " الاتفاق " على حساب القضية السورية بكل تفاصيلها .
أكاد أجزم أن طرح قضية الحوار التي وافق عليها الإئتلاف رسميا بعد أن كان قد عارضها كثيرون من أعضائه ليست ولن تكون أبدا عن بقاء الأسد ، بل عن ترتيب رحيله قبل انعقاد محكمة الجنايات الدولية التي ستقتص منه ومن عصابته وإن طال الزمن .
د . فطين البداد