الناجحون في الثانوية : يا فرحة ما تمّت !
أعلنت نتائج امتحانات الثانوية العامة في الأردن للدورة الشتوية منذ أيام قليلة ، مترافقة مع فرحة النجاح التي صاحبها إطلاق العيارات النارية والمواكب الاحتفالية و" التشحيط والتفحيط و" التعاليل " وما إلى ذلك من مشاهد ومشاعر البهجة التي تخامر الآباء والأمهات والأبناء والأصدقاء ، سواء في النجاح الدراسي أو حفل زفافٍ أو عودةٍ من سفرٍ طالَ أو فوزٍ بالانتخابات وغيرها .
ولا يفوتني هنا أن أعبر عن مشاعري أيضا لأبنائنا الذين لم يحالفهم الحظ متمنيا لهم النجاح في الجولات القادمة .
ولا شك أن النجاح في الثانوية العامة يستحق الفرح ، ويستحق كذلك الاحتفال ولكن " المنضبط " منه ، فها هو جهد الأبناء وتعبهم وسهرهم وتعب وسهر ذويهم قد أثمر ، في انتظار الدورة الأخرى من السباق .. وما هو إلا فصل دراسي آخر بنفس العزيمة والإصرار والاجتهاد حتى يُنهي الطالب مرحلة من حياته ويدخل الجامعة وتبدأ أحلامه بالمستقبل الكبير الذي ينتظره ، وبالحياة القادمة التي ستفتح أبوابها مُشرعة لاستقباله .
ولكن : ماذا بعد الدراسة والاجتهاد والسهر والتعب والأحلام والنجاح ؟.
ماذا بعد أن ينفق الأهل كل ما ادخروه من جهد ومال بغية تدريس أبنائهم في محطتهم الدراسية التالية ؟.
أين سيذهب هذا الشاب الخريج الذي يمتلئ عزيمة وطاقة وإرادة ؟ ..
هل سيجد فرصة العمل المناسبة لإمكانياته ومؤهلاته الدراسية وطموحه المهني وطاقاته الإبداعية؟..
إنها الإنطلاقة الأولى " بعد التخرج" التي تكون الحاجز الأول والصدمة الأولى التي يصطدم بها الشباب الأردني.. حيث انعدام فرص العمل وحيث تفضيل أصحاب الوساطة أحيانا على أصحاب التأهيل العلمي وحيث يلعب الفقر والغنى دورا حاسما في الذهاب للجامعات الخاصة الداخلية أو الخارجية أو البقاء في المنزل وسط إحباط ويأس قد يفضي إلى انحرافات خطيرة تدمر النفس والمجتمع !.
إنني كمواطن ، وكأب ، وكإعلامي ، ابعث رسالة إلى الجميع بعدم هدر طاقاتنا الشبابية الإبداعية وعدم إغلاق أبواب الأردن، هذا الوطن الذي يتسع للجميع، في وجه أبنائه وتهجيرهم إلى الخارج ليكون الأردنيون مبدعين منتجين ناجحين في تلك البلاد التي احتضنتهم وآمنت بهم وبشهاداتهم العلمية وعملهم وصدقهم وإخلاصهم بينما الوطن يخسر شبابه فيخسر بخسارتهم المستقبل و التطوّر والتطوير والإعمار والإزدهار .
إن بيروقراطية جامدة ، وقوانين استثمار متخلفة ، وعقليات متحجرة لدى البعض ، لن تنتج استثمارا يفتح مصنعا ، أو مرفقا اقتصاديا يوظف خريجا ، أو غير ذلك مما شئتم ، وهذه مسلمات في علم الإقتصاد الحديث الذي ارتفعت بفهمه وممارسته اقتصاديات دول ، وانحطت بتركه اقتصاديات دول أخرى في عصر لا ينتظر أحدا .
لا أريد أن أرش الملح على الجرح ، ولكن بعض ، وليس كل هذه البهجة التي ضجت بها شوارعنا وبيوتنا بنجاح ابنائنا في الدورة الشتوية ، وغدا في الدورة الأخرى ، سرعان ما تنتهي بسبب ما قلنا أعلاه ، ليردد الأهل والأبناء معا المقولة الشائعة " يا فرحة ما تمت " .
د.فطين البداد