اللاجئون السوريون في الأردن

تم نشره الأحد 31st آذار / مارس 2013 12:01 صباحاً
اللاجئون السوريون في الأردن
د.فطين البداد

بداية ، لا بد من الإعتراف بأن الأردن يعاني من ضائقة مالية واقتصادية وبنى تحتية شبه مهترئة ، ولا بد من الإعتراف أيضا بأنه يوجد ما يربو عن مليون سوري في الأردن  نصفهم من اللاجئين في المخيمات أو لدى كفلائهم الأردنيين ، ولكن يجب التفريق بين أوضاع الأردن الإقتصادية ، وعجز موازنته وبطالة شبابه ، وضائقة العمل والإسكان والدواء وغيرها ، وبين أن نحمل اللاجئين كل ذلك ، وكأنهم هم من تسببوا به وبتداعياته  .

صدمتني " بعض " كلمات النواب الذين تحدثوا تحت القبة على مدار يومين عن اللاجئين السوريين في الأردن ،  حينما تم نعتهم من  قبل البعض بأقذع الأوصاف وأشدها إيلاما ، من خلال تحريض مكشوف انقلب على كل قيمنا النبيلة ، وأخلاقنا الموروثة ، ورمزية بلدنا كحاضن للعرب ولكل ذي حاجة ، ليس بدءا من الهجرات التي تسبب بها الكيان العبري ، ولا مرورا بهجرة حربيْ الخليج الأولى والثانية ، ولا انتهاء  باللاجئين السوريين ، وإن البيان الذي أصدره مجلس النواب مساء السبت غطى جزءا من نقاش يومين ساخنين ، وأجمل موقف النواب النهائي .

يعلم كل الأردنيين ، أنه وقبل أن يفتح الأردن العربي الهاشمي وشعبه العظيم  ذراعيه للأخوة السوريين ويقدم لجريحهم العلاج ، ولمريضهم الدواء ، ولطفلهم الحليب ، كان الأردن يعاني من مديونية بالمليارات ، تجلت معالمها في العام 1989 إبان حكومة السيد زيد الرفاعي الذي كان أول رئيس حكومة أردني يهبط الدينار في عهده عقب " افتضاح " مديونية الستة مليارات الشهيرة ، ليصبح بسعره الحالي أو أكثر بقليل ، بعد أن كان يساوي ثلاثة دولارات ، وأذكر حينها أن أبرز ما قاله الرفاعي في رده على البرلمان الذي هاجمه وهو في بيته مطالبا بمحاكمته عقب الإتيان بالسيد مضر بدران رئيسا للحكومة ، أنه عزا فقدان الدينار لقيمته إلى المساعدات العربية التي لم تصل ، حيث كانت " حكوماته " وضعت بنودا وجداول متوقعة للمساعدات التي لم تأت بالمطلق مما تسبب بالإنهيار وفق ما قال في حينه .

إن التاريخ يكرر نفسه مع حكومة الدكتور عبد الله النسور ، ولكن بوجه آخر ، فها هو النسور " النائب " يحجب الثقة عن حكومات لأسباب على تماس مع لقمة عيش المواطن التي كان النسور يتحدث بها وعنها ، إلا أن النسور " رئيس الحكومة "  لم يضع المساعدات المتوقعة في جداول موازنته التي أقرت بقانون مؤقت ، بل اعتمد على الضرائب وزيادة الأسعار ، كون ذلك هو المتاح أمامه ولا شيء سواه ، ولكن : ما الذي يربط اللاجئين السوريين بتجربة الرفاعي وتجربة النسور ؟.

إن النواب الأكارم الذين كانوا  ينتقدون في كلماتهم  إنفاق الحكومة على اللاجئين وعلى أبنائهم حيث المدارس المكتظة ، والشقق التي " طار " سعرها ، غفلوا أن الأردن يعاني منذ 23 سنة وليس منذ سنتين ، هي عمر اللجوء السوري ، وإن الأردن خضع لمدة 15 عاما لضغط من صندوق النقد الدولي وأجبر على تنفيذ برنامج عرف بـ " برنامج التحول الإقتصادي " ذاق خلالها الأردنيون الأمرين ،  أي أن الضائقة الإقتصادية التي تنعكس بالضرورة على المجتمع ، أي مجتمع ،  لم تتسبب بها الفتاة السورية التي اتهمت بأنها تبيع جسدها وبأنها تمارس الرذيلة وتنشرها  في المناطق الأردنية بحسب ما قال أحد  النواب ، وأنا هنا أتحدث عن أي فتاة ، حيث كانت الفتاة السورية " اللاجئة "   لا زالت عَدَما ولم تك شيئا ،  ولم تمر بمراحل النطفة فالعلقة فالمضغة ، وبالإمكان البحث عبر الأنترنت لنرى أن الرذيلة كانت موجودة قبل مجيء السوريين ( دون أن يعني هذا أنه ما  من سوري مارسها ) في الوقت الذي تضج فيه محاضر الأمن العام بالحكايات والروايات عن أشخاص امتهنوا الفاحشة التي هي عابرة للحدود والشعوب والتاريخ ، حتى في عهد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، وهل يخلو أي بلد ، عربي وغير عربي ، إسلامي أم غربي  من هذه الموبقات ،  وإذا تحدثنا عن الزمن الراهن  فإنني أسأل : هل إذا  مارس الرذيلة عدد محدود من الأشخاص  يجوز أن  نرجم آلافا مؤلفة من الأيامى ونأخذهم بجريرة " حثالة " حادت عن الصواب ؟.

وبخصوص النسور ، فإن لجوءه إلى رفع الأسعار ليس بسبب اللاجئين السوريين بل بسبب قديم جديد نسقطه على تجربة الرفاعي نفسها ، فكما أن الرفاعي أسقط الدينار، فإن النسور رفع الأسعار ، بل إن النسور ذاته هدد قائلا : إما هبوط الدينار ، أو رفع الاسعار ، وهو ما يعيدنا إلى ربع قرن مضى ، بفارق كبير  هو أن مديونية الـ 1989 كانت 6 مليارات  بينما مديونية 2013  هي  23 مليارا .

ومن مفارقات ما سمعته من النواب المحترمين ما ورد في كلمات بعضهم ، ومن ثم ما ورد في بيانهم المذكور : حيث طالبوا  الحكومة بأن " تفتح " مناطق عازلة داخل الحدود السورية وكأن الأمر لا يحتاج سوى لـ " زرفيل وسُكرة وباب " ، متناسيا مجلس النواب الكريم :  أن دولا عظمى لم تتمكن من إقامة مناطق عازلة في سوريا بسبب انقسام المجتمع الدولي حيال هذا الأمر ، وبسبب حاجة قضية بهذا الحجم  لموافقة من مجلس الأمن ، فكيف يقوى عليه الأردن محدود الإمكانيات والقدرات ! .

كما وإنني اذكر السادة النواب بأن الأردن ملزم باستقبال اللاجئين من الدول المجاورة بسبب أنه موقع على اتفاقيات دولية بهذا الشان ، ليس أولها ولا آخرها " العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية "  بل إنني أقول أكثر من ذلك ، والقانونيون يعرفونه تماما ، وهو أن الأردن سيقع تحت طائلة العقاب الدولي إن رفض استقبال لاجئي الحروب والكوارث من دول الجوار ،  وهي قضية لا يتنازع فيها اثنان من ذوي الإختصاص ،  فهل يكون الأردن الهاشمي العربي العظيم مدانا من  نوابه إن استقبل لاجئين يُضرَبون بالأسلحة الكيماوية وبصواريخ " سكود " وبالراجمات والمدافع والبراميل .

كما وإنه لا يفوتني أن أذكر بأن الهجوم النيابي خلال نقاش قضية اللاجئين السوريين طال دولا خليجية ، بل إن بعض النواب " شتم "  بأقذع النعوت ، دون أن يخطر بباله بأن أي هزة حقيقية بين الأردن وبين دول الخليج سيجعلنا نخسر الدول الست المنضوية في حلف وائتلاف يعرف بـ  مجلس التعاون " ، وسيكلفنا ذلك خسران المنحة الخليجية المتعلقة بـالـ 5 مليارت التي حددت بعدة أعوام أثناء سعي الأردن  للإنضمام لدول لمجلس  ، وما يربو عن  2 مليار هي تحويلات الأردنيين البالغ عددهم 600 ألف أغلبهم في الخليج  ، وأيضا خسران حوالي مليار آخر هو ما نجنيه من السياحة الخليجية العلاجية ، ناهيك عن فرص العمل المذكورة وغيرها من آثار مرئية وغير مرئية  ، وإذا قال قائل : إن هذا ليس له علاقة بذاك  فإني أدعوه إلى قراءة هذه القصة : 

أخبر رئيس حكومة مستمعيه ذات لقاء :  أن أحد الكتاب نشر مقالا عن دولة خليجية  ، وكتب ضد زعيمها ، في الوقت الذي كان فيه الأردن في انتظار 75  مليون برميل من النفط كهدية ، ولما آن أوان بدء التسليم على دفعات امتنعت الدولة الخليجية عن الإيفاء بوعدها بسبب ذلك المقال ، وخسر الأردن المنحة : أي إن العيار الذي لا  يصيب " يدوش " كما يقال ، وهو مثل شعبي لم يتعامل معه  بعض النواب الأكارم بحكمة ، وها إننا بدأنا نقرأ دعوات لكتاب خليجيين بوقف أي مساعدات للأردن ، بل إن سفير السعودية زار المجلس والتقى السرور الذي أوضح له أن ما قاله البعض ليس سياسة رسمية من الدولة ، مؤكدا على عمق العلاقة بين الأردن والخليجيين ، كما وإنني - كمراقب - آمل أن يكون حديث السيد سعد هايل السرور ليلة الجمعة - السبت مع التلفزيون الأردني قد أوضح العلاقة الحقيقية بين الأردن وأشقائه العرب ، حيث إن المهندس السرور كان واضحا  ، معتبرا أن بيان الأخوان المسلمين  الذي صدر نهاية الأسبوع تعقيبا على كلمات النواب كان مقصودا بما يفسره " البعض " اصطيادا في المياه العكرة " مشددا على متانة العلاقة بين الطرفين .

ولم يقف الأمر عند رئيس المجلس ولقائه التلفزيون الرسمي ،وبيان المجلس ،  بل إن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور ، وبعد حديث رئيس المجلس  بساعات قليلة  دخل ظهر السبت على الخط ، ومن أمام الديوان الملكي حيث أكد  أن الأردن موئل للعرب ولا يمكن إلا أن يكون مضيافا مع السوريين وغيرهم انطلاقا من شيمه ودينه وأخلاقه ، ومؤكدا بأن الضائقة التي يعاني منها الأردن سينقلها إلى أروقة الأمم المتحدة ، ومعترفا بأن أعداد اللاجئين كانت مفاجئة للجميع ولم يكن الأردن قد حسب حسابها فوقعت هذه التذمرات من قبل المواطنين .

أفهم ، أن يصرخ الأردني جراء العوز ، وأفهم أن يخرج في اعتصام  مطالبا بالعدالة الإجتماعية ، ولكني أفهم - في المقابل - ما فعلته المعارضة والموالاة معا في ساحة المسجد الحسيني يوم الجمعة .

إن من أكثر ما يدل على أن ما ورد في كلمات بعض النواب ضد اللاجئين السوريين لا يمثل إلا قلة في المجتمع الأردني ، هو أن المعارضة كانت تهتف هتافات قوية وعالية السقف ، وترد عليها الموالاة بهتافات مضادة لأطروحاتها وشعاراتها،  ولكن المفاجأة أن المعارضة والموالاة  هتفوا " معا " نفس الهتاف، حينما تعلق الأمر بالموقف السياسي الشعبي الأردني من الثورة السورية ، إذ حيا الطرفان الثورة ، ونادوا بسقوط الأسد ،  ولكم أن تتخيلوا حميمية هذا المشهد الأردني الذي التقطته عدسة سوريا الشعب ، وسوريا الثورة . 

 

د.فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات