اللاجئون السوريون في الأردن
بداية ، لا بد من الإعتراف بأن الأردن يعاني من ضائقة مالية واقتصادية وبنى تحتية شبه مهترئة ، ولا بد من الإعتراف أيضا بأنه يوجد ما يربو عن مليون سوري في الأردن نصفهم من اللاجئين في المخيمات أو لدى كفلائهم الأردنيين ، ولكن يجب التفريق بين أوضاع الأردن الإقتصادية ، وعجز موازنته وبطالة شبابه ، وضائقة العمل والإسكان والدواء وغيرها ، وبين أن نحمل اللاجئين كل ذلك ، وكأنهم هم من تسببوا به وبتداعياته .
صدمتني " بعض " كلمات النواب الذين تحدثوا تحت القبة على مدار يومين عن اللاجئين السوريين في الأردن ، حينما تم نعتهم من قبل البعض بأقذع الأوصاف وأشدها إيلاما ، من خلال تحريض مكشوف انقلب على كل قيمنا النبيلة ، وأخلاقنا الموروثة ، ورمزية بلدنا كحاضن للعرب ولكل ذي حاجة ، ليس بدءا من الهجرات التي تسبب بها الكيان العبري ، ولا مرورا بهجرة حربيْ الخليج الأولى والثانية ، ولا انتهاء باللاجئين السوريين ، وإن البيان الذي أصدره مجلس النواب مساء السبت غطى جزءا من نقاش يومين ساخنين ، وأجمل موقف النواب النهائي .
يعلم كل الأردنيين ، أنه وقبل أن يفتح الأردن العربي الهاشمي وشعبه العظيم ذراعيه للأخوة السوريين ويقدم لجريحهم العلاج ، ولمريضهم الدواء ، ولطفلهم الحليب ، كان الأردن يعاني من مديونية بالمليارات ، تجلت معالمها في العام 1989 إبان حكومة السيد زيد الرفاعي الذي كان أول رئيس حكومة أردني يهبط الدينار في عهده عقب " افتضاح " مديونية الستة مليارات الشهيرة ، ليصبح بسعره الحالي أو أكثر بقليل ، بعد أن كان يساوي ثلاثة دولارات ، وأذكر حينها أن أبرز ما قاله الرفاعي في رده على البرلمان الذي هاجمه وهو في بيته مطالبا بمحاكمته عقب الإتيان بالسيد مضر بدران رئيسا للحكومة ، أنه عزا فقدان الدينار لقيمته إلى المساعدات العربية التي لم تصل ، حيث كانت " حكوماته " وضعت بنودا وجداول متوقعة للمساعدات التي لم تأت بالمطلق مما تسبب بالإنهيار وفق ما قال في حينه .
إن التاريخ يكرر نفسه مع حكومة الدكتور عبد الله النسور ، ولكن بوجه آخر ، فها هو النسور " النائب " يحجب الثقة عن حكومات لأسباب على تماس مع لقمة عيش المواطن التي كان النسور يتحدث بها وعنها ، إلا أن النسور " رئيس الحكومة " لم يضع المساعدات المتوقعة في جداول موازنته التي أقرت بقانون مؤقت ، بل اعتمد على الضرائب وزيادة الأسعار ، كون ذلك هو المتاح أمامه ولا شيء سواه ، ولكن : ما الذي يربط اللاجئين السوريين بتجربة الرفاعي وتجربة النسور ؟.
إن النواب الأكارم الذين كانوا ينتقدون في كلماتهم إنفاق الحكومة على اللاجئين وعلى أبنائهم حيث المدارس المكتظة ، والشقق التي " طار " سعرها ، غفلوا أن الأردن يعاني منذ 23 سنة وليس منذ سنتين ، هي عمر اللجوء السوري ، وإن الأردن خضع لمدة 15 عاما لضغط من صندوق النقد الدولي وأجبر على تنفيذ برنامج عرف بـ " برنامج التحول الإقتصادي " ذاق خلالها الأردنيون الأمرين ، أي أن الضائقة الإقتصادية التي تنعكس بالضرورة على المجتمع ، أي مجتمع ، لم تتسبب بها الفتاة السورية التي اتهمت بأنها تبيع جسدها وبأنها تمارس الرذيلة وتنشرها في المناطق الأردنية بحسب ما قال أحد النواب ، وأنا هنا أتحدث عن أي فتاة ، حيث كانت الفتاة السورية " اللاجئة " لا زالت عَدَما ولم تك شيئا ، ولم تمر بمراحل النطفة فالعلقة فالمضغة ، وبالإمكان البحث عبر الأنترنت لنرى أن الرذيلة كانت موجودة قبل مجيء السوريين ( دون أن يعني هذا أنه ما من سوري مارسها ) في الوقت الذي تضج فيه محاضر الأمن العام بالحكايات والروايات عن أشخاص امتهنوا الفاحشة التي هي عابرة للحدود والشعوب والتاريخ ، حتى في عهد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، وهل يخلو أي بلد ، عربي وغير عربي ، إسلامي أم غربي من هذه الموبقات ، وإذا تحدثنا عن الزمن الراهن فإنني أسأل : هل إذا مارس الرذيلة عدد محدود من الأشخاص يجوز أن نرجم آلافا مؤلفة من الأيامى ونأخذهم بجريرة " حثالة " حادت عن الصواب ؟.
وبخصوص النسور ، فإن لجوءه إلى رفع الأسعار ليس بسبب اللاجئين السوريين بل بسبب قديم جديد نسقطه على تجربة الرفاعي نفسها ، فكما أن الرفاعي أسقط الدينار، فإن النسور رفع الأسعار ، بل إن النسور ذاته هدد قائلا : إما هبوط الدينار ، أو رفع الاسعار ، وهو ما يعيدنا إلى ربع قرن مضى ، بفارق كبير هو أن مديونية الـ 1989 كانت 6 مليارات بينما مديونية 2013 هي 23 مليارا .
ومن مفارقات ما سمعته من النواب المحترمين ما ورد في كلمات بعضهم ، ومن ثم ما ورد في بيانهم المذكور : حيث طالبوا الحكومة بأن " تفتح " مناطق عازلة داخل الحدود السورية وكأن الأمر لا يحتاج سوى لـ " زرفيل وسُكرة وباب " ، متناسيا مجلس النواب الكريم : أن دولا عظمى لم تتمكن من إقامة مناطق عازلة في سوريا بسبب انقسام المجتمع الدولي حيال هذا الأمر ، وبسبب حاجة قضية بهذا الحجم لموافقة من مجلس الأمن ، فكيف يقوى عليه الأردن محدود الإمكانيات والقدرات ! .
كما وإنني اذكر السادة النواب بأن الأردن ملزم باستقبال اللاجئين من الدول المجاورة بسبب أنه موقع على اتفاقيات دولية بهذا الشان ، ليس أولها ولا آخرها " العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية " بل إنني أقول أكثر من ذلك ، والقانونيون يعرفونه تماما ، وهو أن الأردن سيقع تحت طائلة العقاب الدولي إن رفض استقبال لاجئي الحروب والكوارث من دول الجوار ، وهي قضية لا يتنازع فيها اثنان من ذوي الإختصاص ، فهل يكون الأردن الهاشمي العربي العظيم مدانا من نوابه إن استقبل لاجئين يُضرَبون بالأسلحة الكيماوية وبصواريخ " سكود " وبالراجمات والمدافع والبراميل .
كما وإنه لا يفوتني أن أذكر بأن الهجوم النيابي خلال نقاش قضية اللاجئين السوريين طال دولا خليجية ، بل إن بعض النواب " شتم " بأقذع النعوت ، دون أن يخطر بباله بأن أي هزة حقيقية بين الأردن وبين دول الخليج سيجعلنا نخسر الدول الست المنضوية في حلف وائتلاف يعرف بـ مجلس التعاون " ، وسيكلفنا ذلك خسران المنحة الخليجية المتعلقة بـالـ 5 مليارت التي حددت بعدة أعوام أثناء سعي الأردن للإنضمام لدول لمجلس ، وما يربو عن 2 مليار هي تحويلات الأردنيين البالغ عددهم 600 ألف أغلبهم في الخليج ، وأيضا خسران حوالي مليار آخر هو ما نجنيه من السياحة الخليجية العلاجية ، ناهيك عن فرص العمل المذكورة وغيرها من آثار مرئية وغير مرئية ، وإذا قال قائل : إن هذا ليس له علاقة بذاك فإني أدعوه إلى قراءة هذه القصة :
أخبر رئيس حكومة مستمعيه ذات لقاء : أن أحد الكتاب نشر مقالا عن دولة خليجية ، وكتب ضد زعيمها ، في الوقت الذي كان فيه الأردن في انتظار 75 مليون برميل من النفط كهدية ، ولما آن أوان بدء التسليم على دفعات امتنعت الدولة الخليجية عن الإيفاء بوعدها بسبب ذلك المقال ، وخسر الأردن المنحة : أي إن العيار الذي لا يصيب " يدوش " كما يقال ، وهو مثل شعبي لم يتعامل معه بعض النواب الأكارم بحكمة ، وها إننا بدأنا نقرأ دعوات لكتاب خليجيين بوقف أي مساعدات للأردن ، بل إن سفير السعودية زار المجلس والتقى السرور الذي أوضح له أن ما قاله البعض ليس سياسة رسمية من الدولة ، مؤكدا على عمق العلاقة بين الأردن والخليجيين ، كما وإنني - كمراقب - آمل أن يكون حديث السيد سعد هايل السرور ليلة الجمعة - السبت مع التلفزيون الأردني قد أوضح العلاقة الحقيقية بين الأردن وأشقائه العرب ، حيث إن المهندس السرور كان واضحا ، معتبرا أن بيان الأخوان المسلمين الذي صدر نهاية الأسبوع تعقيبا على كلمات النواب كان مقصودا بما يفسره " البعض " اصطيادا في المياه العكرة " مشددا على متانة العلاقة بين الطرفين .
ولم يقف الأمر عند رئيس المجلس ولقائه التلفزيون الرسمي ،وبيان المجلس ، بل إن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور ، وبعد حديث رئيس المجلس بساعات قليلة دخل ظهر السبت على الخط ، ومن أمام الديوان الملكي حيث أكد أن الأردن موئل للعرب ولا يمكن إلا أن يكون مضيافا مع السوريين وغيرهم انطلاقا من شيمه ودينه وأخلاقه ، ومؤكدا بأن الضائقة التي يعاني منها الأردن سينقلها إلى أروقة الأمم المتحدة ، ومعترفا بأن أعداد اللاجئين كانت مفاجئة للجميع ولم يكن الأردن قد حسب حسابها فوقعت هذه التذمرات من قبل المواطنين .
أفهم ، أن يصرخ الأردني جراء العوز ، وأفهم أن يخرج في اعتصام مطالبا بالعدالة الإجتماعية ، ولكني أفهم - في المقابل - ما فعلته المعارضة والموالاة معا في ساحة المسجد الحسيني يوم الجمعة .
إن من أكثر ما يدل على أن ما ورد في كلمات بعض النواب ضد اللاجئين السوريين لا يمثل إلا قلة في المجتمع الأردني ، هو أن المعارضة كانت تهتف هتافات قوية وعالية السقف ، وترد عليها الموالاة بهتافات مضادة لأطروحاتها وشعاراتها، ولكن المفاجأة أن المعارضة والموالاة هتفوا " معا " نفس الهتاف، حينما تعلق الأمر بالموقف السياسي الشعبي الأردني من الثورة السورية ، إذ حيا الطرفان الثورة ، ونادوا بسقوط الأسد ، ولكم أن تتخيلوا حميمية هذا المشهد الأردني الذي التقطته عدسة سوريا الشعب ، وسوريا الثورة .
د.فطين البداد