رسالة مفتوحة إلى النواب حول منح أو حجب الثقة
لا أرغب في الخوض كثيرا في مضمون البيان الوزاري لحكومة الدكتور عبد الله النسور ، ولا في اجتماعه مع الكتل النيابية من جديد قبل التصويت استجابة لدعوة النائب مصطفى الحمارنة ، الذي أعلنت كتلته حجب الثقة ( التجمع الديمقراطي ) ولا في اجتماعه مع كتلة " وطن " التي يتزعمها المهندس عاطف الطراونة ، أو اجتماعاته الجانبية والفردية ، أو أن أعلق على ما جاء في كلمات النواب وانتقاداتهم للتشكيلة الحكومية ودمج وزاراتها واختزال أخرى ، ولا أرغب أيضا في اجتراح الحلول للخروج من أزمات سياسية واقتصادية وغيرها ، ولكني سأتوقف مليا عند برنامج الحكومة الذي لم يقرأه بعناية كثيرون ، ومروا عليه مرور الكرام .
لأول مرة في تاريخ رؤساء الحكومات التي تطلب ثقة مجلس النواب ، يقدم رئيس حكومة برنامجا لحكومته مرفقا مع البيان الوزاري ، ولئن كان هناك من انتقادات لتشكيلة الحكومة ، فإن البرنامج الذي حدده النسور في أربع سنوات لا علاقة له بالتشكيل ولا بالأسماء ، حيث إن الأربع سنوات المحددة ، هي له أو لغيره ، على اعتبار أنه برنامج حكومي وليس برنامج شخص ، تطرق فيه إلى مختلف القضايا الملحة التي اعتبرها السادة النواب استراتيجية ، بما فيها مطالبهم المناطقية .
كنت آمل ان يناقش النواب هذا البرنامج الذي تم تغييبه من قبل الأغلبية الساحقة ممن تحدثوا ، ولم نسمع من كثير من النواب سوى " إنشاء " لا يقدم ولا يؤخر في نقاشات بحجم برنامج دولة ، وكان الأولى بالنواب المحترمين مناقشة خطة برنامج الحكومة وليس فقط بيانها الذي قرأه الرئيس تحت القبة .
البرنامج الذي لا يتسع المجال لمناقشته هنا ، حوى أرقاما وتواريخ وخططا وتوقعات بالإمكان اعتمادها والقياس عليها في قراءة مستقبل البلد خلال المدة المذكورة ، ولكن أيا من النواب لم يسمعنا ذلك ، اللهم باستثناء البعض منهم الذين كانوا مقنعين ويشيرون إلى مواطن الداء ويقترحون الدواء ، وهؤلاء معدودون على أصابع اليد الواحدة .
برنامج عمل حكومة النسور ليس خياليا ، ويجب أن ينصب نقاش حجب أو منح الثقة حوله فقط ، هكذا يقول المنطق ، وكمواطن أردني ، فإنني لا أجد عذرا للنواب الذين لم يقرأوه ، مع أن الحكومة وزعته عليهم واحدا واحدا إلى جانب البيان في شكل كتاب أبيض مطبوع يحوي 209 صفحات من القطع المتوسط .
كان على النواب الأفاضل مناقشة أهداف البرنامج وإجراءاته التنفيذية ، ونظرته المستقبلية للإقتصاد ، والملخص التنفيذي للمالية العامة ، وقطاع الإستثمار والصناعة والتجارة ، وقطاع الزراعة ، والسياحة ، والتشغيل والتدريب المهني والتقني ، وتنمية المحافظات ، ومكافحة الفقر ، والصحة ، والتعليم العام ، والتعليم العالي والبحث العلمي ، وقطاع الثقافة ، والشباب والرياضة ، والنقل والأشغال العامة ، والإسكان ، والمياه والصرف الصحي ، والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، والبيئة ، والتشريع والعدل ، والقطاع العام ، كما لم يتطرق السادة النواب لبنود برنامج النسور الأخرى من مثل : إطار العمل السياسي ، وقطاع الأمن والسلامة ، والتعامل مع ملف اللاجئين ، أي أن هناك 58 قطاعا ناقشها البرنامج ، وقدمها النسور مكتوبة ومفصلة مع بيانه المطبوع الذي لم يتعد 57 صفحة من القطع المتوسط أيضا ، ولم تتم مناقشتها بندا بندا كما يتطلب واقع العمل الجاد .
إن المطالب التي تقدم بها النواب ، والإنتقادات التي وجهوها للرجل ، تأتي في باب الإجتهاد ، ولئن كان الرئيس اجتهد وأخطأ في تقدير بعض الوزارات ، فإن ذلك لا يعني أن تتم محاسبته وفق ذلك طالما أنه أكد على إجراء تعديل فوري على الحكومة بعد أن استأذن الملك فيه .
أتمنى ، كمراقب ليس إلا ، أن يقرأ النواب برنامج الرجل ، كونه برنامجا حافلا بالحلول ، وإن كان هناك من نقد على أي قطاع فبالإمكان مناقشته فيه ، لا أن ننسف الحكومة ونحجب عنها الثقة لمجرد أن الوزير الفلاني لم يعجبنا ، أو أن الوزير العلاني لم يقنعنا أو للسبب إياه : " أن النسور لم يوزر نوابا في الحكومة " .
إن رجلا تقدم ببيان وزاري ، وبخطة عمل لأربع سنوات ضمن برنامج مدروس ومحكم ، جدير بنيل الثقة ، لأنه الوحيد الذي فعل ذلك ، ولا يجب أن ننسى أن بعض الرؤساء اعتبروا خطاب العرش بيانا وزاريا .
امنحوا النسور الثقة ، وحاكموه على برنامجه وأدائه ، وأنتم - في النهاية - مجلس نواب ، بإمكانكم سحب الثقة منه وفورا إن لم يقنعكم أداؤه لاحقا ، أما أن تحجبوا عنه الثقة ، كما يهدد نواب وكتل ، فإني أطلب من كل من سيفعل ذلك أن يسمي لي شخصا أقدر أو أكثر كفاءة وخبرة من عبد الله النسور الذي حمل مسؤولية تشكيل الحكومة في أصعب ظرف ، وهو تكليف لا يحسده عليه أحد .
د.فطين البداد