ثمانون نائبا أردنيا متهمون بقضايا مختلفة !
عندما أعلنت أنيتا شيفان وزيرة التعليم الألمانية استقالتها من منصبها عقب فضيحة سعيها للحصول على الدكتوراة بطريقة ملتوية ، وعندما أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال أليو - مارى استقالتها بسبب انتقادات وجهت إليها لمواقف بعينها اتخذتها في تونس ، وعندما يستقيل وزير العدل المصري لسبب رفضه هجوما حزبيا شنه عليه الإسلاميون ، وعندما يستقيل وزير المالية في الحكومة الإشتراكية الفرنسية جيروم كاهوزاك بسبب انكشاف أمره بعد أن فتح حسابا مصرفيا خاصا به في سويسرا ، بل عندما يستقيل الرئيس الألماني هورست كولر بعد انتقادات صحفية وحزبية وجهت إليه حول تصريحات أطلقها عن الجنود الألمان في أفغانستان ، وغير ذلك من عشرات الأمثلة عن وزراء انسحبوا بهدوء ، فإن الأمر لا يختلف عن نواب استقالوا في أماكن شتى من العالم ، بل إن الأمور قد تصل إلى مطالبة برلمانات بكامل أعضائها بأن يتم حلها أو أن تحل هي نفسها كما يقع عادة في الكنيست الإسرائيلي من أجل تصويب سياسة أو أمر ما ، أو اللجوء إلى انتخابات مبكرة وغيرها ، وها هو ليبرمان ينتظر خارج تشكيلة نتن ياهو مع أنه وزير خارجية أوقف القضاء أحقيته في المنصب إلى حين البت بأمره ، وهو نائب في الكنيست ، إلى غير ذلك من عشرات الأمثلة .
استذكرت كل تلك الأمثلة وغيرها بعد قراءتي خبرا وقع على الأردنيين كالصاعقة الأسبوع الماضي عندما تواترت الأنباء بأن حوالي 80 نائبا في البرلمان الأردني مطلوبون للقضاء، بعضهم في تهم تتعلق بالفساد والغش والإحتيال ، وبعضهم بقضايا جنائية ، والبعض بقضايا حقوقية وما إلى هنالك من فضائح يتوجب على أصحابها " الصمت " بدل أن يتخذوها " مسخرة " وكأن الأمر نكتة واجبة الإنتشار ، كما حصل قبيل عدة جلسات برلمانية .
الأدهى والأمر من مسخرة المساخر هذه ، أن يغضب بعض النواب من القضاء الذي يطلبهم للتحقيق ، على اعتبار أنهم " محصنون " مع أن هذا غير صحيح ، وإن كان الدستور الاردني ميع هذه القضية فوقع عليها اجتهادات .
يقول الدستور في المادة 86 : " لا يوقف أحد أعضاء مجلسي النواب والأعيان ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ،ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالاكثرية المطلقة ، بوجود سبب كاف لتوقيفه أو محاكمته ، أو ما لم يقبض عليه في حالة تلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس فورا " .
ولأن هذا النص غائم ، وبالإمكان تفسيره على أكثر من وجه ، فقد شهدنا في الفترة الأخيرة تباينا في التفسير حتى بين القضاة انفسهم ، كما وقع مع قضية النائب رولى الحروب المتهمة بإطالة اللسان ، حيث قرر القاضي مواصلة محاكمتها رغم أنها عضو في البرلمان ، كون القضية المتهمة بها وقعت قبل حصولها على مسمى " نائب " ، وهكذا كان ، بينما رأى قاض آخر في قضية النائب يحيى السعود مثلا : أنه لا وجه قانونيا في مواصلة محاكمته لكونه حصل على الحصانة ، وفي موقف ثالث ما حصل مع النائب أحمد رقيبات الذي أجرت المدينة نيوز معه لقاء تحت القبة بينما كان " ملثما " كناية عن أنه هارب من الشرطة " على سبيل النكة والتهكم " مع أن القاضي الذي يحاكمه طلب رفع الحصانة عنه أولا ، ليقع هذا النص الدستوري في أكثر من تفسير ، مما يتطلب إفتاء من ذوي الإختصاص .
إن أكثر ما يغيظ في هذه القضية ، ليس النص الدستوري الذي بالإمكان الإستفتاء حوله لدى المحكمة الدستورية التي خرجت إلى النور مع التعديلات الدستورية الأخيرة ، ولكنه موقف النواب الثمانين الذي غضبوا من الإعلام ، واتهموه بأنه يصطاد في مياههم العكرة ، ولاموا رئيس الحكومة أيضا واتهمه بعضهم أنه وراء تسريب الخبر .
بعض النواب المطلوبين للقضاء ذوو قضايا عادية بالإمكان إنهاؤها ببساطة ، والبعض غير ذلك بالطبع ، ويفترض بكل نائب متهم بقضية قبل النيابة أن يكون على قدر المسؤولية الوطنية وأن يقبل بحضور جلسات المحكمة ، وأن لا يلجأ لرئيس المجلس ولزملائه من أجل وقف محاكمته ، حتى وإن أفتت المحكمة الدستورية في ما بعد بأنه ذو حصانة ، فالقضية ذات طبيعة أخلاقية بالدرجة الأولى ، وذات تماس مع الحقوق ، ولا يجوز لأي كان أن يوقف مضي حقوق الناس أو الحقوق العامة ، لأن سعادته يتمتع بالحصانة البرلمانية .
يدرك كثيرون أن البعض تمترس بالنيابة ، وكان مستعدا لدفع الملايين على حملته الإنتخابية من أجل وقف محاكمته ، خاصة أولئك الذين تدور حولهم شبهات فساد ، ولكن نسي هؤلاء بأنه وحتى لو قضت المحكمة الدستورية بحصانة بعض هؤلاء الثمانين ، فإنه لا أحد قادر على منع " عطلة " المجلس ، او انفضاض دروته ، ففي انفضاض الدورة يعود النائب مواطنا عاديا ولا يتطلب أمر توقيفه على أية جناية سوى إعلام المجلس ، حيث تكون الحصانة - هي أيضا في عطلة .
ولكن :
هل ستدور حينها ماكينة الواسطات والهواتف .
...
بفمي ماء .. وحمى الله الأردن ! .
د.فطين البداد