عن ديوان المحاسبة واعتداء حراس السفير العراقي على أردنيين
( 1 )
اعتداء حراس السفير العراقي على أردنيين
كنت أود الحديث عن أولئك الرعاع من موظفي السفارة العراقية في عمان الذين اعتدوا على مواطنين أردنيين الأسبوع الفائت في المركز الثقافي الملكي ، متناسين بأنهم متواجدون في عاصمة أخرى غير تلك التي امتهنوا فيها الناس من خلال الإنتقام الطائفي أولا ، والسياسي ثانيا ، وجعلوا نهرها يفيض بالدماء بدل الماء .
لدى الأردن مصالح تجارية مع العراق ، نفهم ذلك ، ولكن الكرامة أغلى من كل مصالح الدنيا ، وحديث وزير الخارجية الأردني السيد ناصر جودة مع موقع المدينة نيوز عن الحادثة " بالفيديو " خفف الوطء على صدور تغلي غضبا من هذه الفعلة ، خاصة بعد نقله اعتذارا رسميا من الحكومة العراقية ، وكشفه عن وفد أردني سيزور بغداد للإطمئنان عن أحوال أردنيين اعتقلوا هناك وعددهم 17 شخصا ، قال السفير العراقي في عمان لموقع جي بي سي نيوز الإخباري : إنه سيفرج عنهم وهو تصريح سبق واقعة الضرب ، ولا ندري هل اعتصام الأردنيين قبالة السفارة العراقية في عمان سيكون في صالح الإفراج عنهم أم لا ، على اعتبار أن تقارير ذكرت بأن الأردنيين المعتقلين هناك تعرضوا للضرب أيضا بعد الإعتصام ، وهو ما نفاه أيضا وزير الخارجية الذي ينتظر هوشيار زيباري في عمان قريبا .
والذي جعل الساحة تهدأ قليلا هو الوفد الشعبي والعشائري العراقي الذي زار ذوي الأردنيين المعتدى عليهم ، معتذرا عن تلك الفعلة التي لا تمثل العراقيين الحقيقيين ، المهمشين ، والذين يعتصمون ويتظاهرون منذ شهور طلبا للعدالة والإنصاف في بلد أصبح ساحة مفتوحة لإيران بما تعنيه هذه الكلمة من مدلول : إيران التي أصدرت فتاوى بـ " الشهادة " لكل من يقاتل أهل السنة في سوريا من عراقيين وأفغان ولبنانيين متمثلين بحزب الله " المقاوم الممانع " وما إلى ذلك من خزعبلات يستغرب كل ذي عقل أنها لا زالت تعشعش في عقول هؤلاء القوم الذين يصرفون " مفاتيح " و " جوازات سفر " إلى "الجنة " ! .
( 2 )
ديوان المحاسبة في الأردن مجرد " ديكور " !
لديوان المحاسبة في الأردن مكان بارز في الدستور الأردني وهو مكان محصن ، منصوص عليه بالإسم ، ولكنْ لهذا الديوان أوجاعٌ لم يسبق أن نشرت تفاصيلها ، أللهم إلا النزر اليسير مما لا يسمن ولا يغني من معلومات .
لقد وقفت شخصيا على أهم أوجاع هذا الديوان الذي يواصل موظفوه أعمالهم ورقابتهم في مختلف الوزارات والدوائر والمؤسسات ، وكل من يشملهم مجال عمله ، فكان الأهم والذي لا أهم منه أبدا هو " توصيات " هذا الديوان التي لا يقرأها أو يسمعها أحد ، ولا يلتفت إليها ، لا حكومة ، ولا مجلس نواب .
ولمن لا يعلم ، فإن تقارير الديوان تسلم إلى مجلس النواب وليس للحكومة ، بنص الدستور ، فكيف يتعامل مجلس النواب مع تقارير الديوان التي تسلم في العادة ، لرئيس المجلس ، وبينها تقارير " سرية ومكتومة " لا يصل إليها أحد ، ولم يسبق لرئيس مجلس أن وزعها على النواب ، أقصد السرية منها - مع أن الدستور يجبره على فعل ذلك .
وأوجاع الديوان ، وموظفيه كثيرة ، ويقتصر عملهم على المتابعة والتحقيق ، أو التوصية بتشكيل لجان تحقيق بملايين صرفت بدون وجه حق ، ويوصي الديوان في أكثر من قضية بأن يشترك مندوبوه في أي لجنة تحقيق ، لتكون المفاجأة - في الأغلب - أن أي لجنة تحقيق تم تشكيلها ، لا تشرك الديوان معها ، وتخرج بتقارير لا يملك الديوان إلا التعليق عليها بعبارة " تم تشكيل لجنة تحقيق ولا زال الموضوع قيد المتابعة " .. أما متى ستكون هذه المتابعة ، وكيف ، فإنه لا أحد يدري ، حتى الديوان نفسه .
أذكر أن مجلس النواب قبل السابق ( الخامس عشر ) دقق في جلسة واحدة تقارير ديوان المحاسبة عن 6 سنوات ، فهل هكذا هو العمل البرلماني ، وهل الست سنوات التي قضايا الديوان " يكدح " في سبيل الوصول إلى خباياها وخفاياها كانت للتسلية ، أم أن وراء الأكمة ما وراءها .
أقول وبملء الفم : إن هناك قوى لا تريد للديوان أن يعمل ، وهي قوى تعطل الدستور ، ومجلس النواب ، أو رئاساته بالأحرى ، تشترك في تحجيم عمل الديوان، وإلا فليقل لي أحدهم : ماذا فعلت المجالس النيابية المتعاقبة بالملايين التي كشفها و" كفشها " ديوان المحاسبة ، ولماذا ذهبت أدراج الرياح .
لم يسبق لي أن قرأت : أن أحدهم طلب تعديلا على الدستور يتعلق بديوان المحاسبة ، ويجعل منه ذراعا تنفيذيا ، بدل أن يكون رقابيا لا حول له ولا قوة ، ويذكرني هذا الأمر بهيئة مكافحة الفساد التي تكتفي بكتابة تقارير وليس لها اي قوة تنفيذية ، وهو ظلم واقع على الهيئة التي يواصل موظفوها العمل ليلا نهارا ، لتنتهي تقاريرهم إلى الأدراج للأسف ، قبل أن يعدل القانون ، بل إنه من المضحك ما كشفه رئيس الهيئة السيد سميح بينو لموقع المدينة نيوز ذات اتصال عن : أنه هو شخصيا اشتكى على مواقع إخبارية حاولت اغتيال شخصيته وشخصية الهيئة ، فكيف لهيئة ، يشتكي رئيسها من ابتزاز بعض الصحفيين ويشتكي عليهم لدى القضاء أن تكون حاسمة في تقاريرها وتوصياتها ، مع وجود تناقض رهيب بين صلاحياتها وصلاحيات مجلس النواب الذي يعتبر نفسه معنيا بتقارير الهيئة أيضا ، وكلنا يذكر السجال العنيف الذي دار بين رئيس سابق لمجلس لنواب وبين رئيس الهيئة، وأكرر : قبل تعديل القانون .
إن الأدوات الرقابية ، بما فيها تلك التي وردت في الدستور نصا ، تعاني من أوجاع لا بد من معالجتها لكي لا تكون مجرد " ديكور " أو " مبرر " لفساد يرد عليه مرتكبوه بقولهم : " لقد وردت القضية " س " في تقرير ديوان المحاسبة " .. ووردت القضية " ص " في تحقيقات هيئة مكافحة الفساد " .. وكأن ورودها في الديوان أوالهيئة هو الغاية ، مع أن الغاية هواجتثاث الفساد ، ومحاسبة مرتكبيه نوابا كانوا ، أم وزراء أم مسؤولين من مختلف الأحجام والأعيرة ، وبغير رقابة فعلية وأدوات تنفيذية ستظل تقارير الرقابة في الأردن حبرا على ورق .
د.فطين البداد