رفع أسعار الكهرباء والضحك على الذقون !
لعل رفع أسعار الكهرباء العام القادم هدأ الناس قليلا ، بعد أن لعبها رئيس الحكومة صح ، فهو مهد الطريق لرفع يسير ، يتحضر له الجميع قبل إعلانه بشهور .
هكذا يبدو الأمر لأول وهلة ، ولكن " الفيلم " الذي " مشى " على الناس ، هو أن الرفع لن يطال الذين تقل فواتيرهم الشهرية عن 50 دينارا ، وهو كلام حق أريد به باطل .
وإني أعلم ، والحكومة تعلم ، بأن رفع الكهرباء اتفاق وقع في نهاية العام السابق ، أو بالأحرى توصية تضمنها تقرير لصندوق النقد الدولي صدر نهاية كانون الأول الماضي ، ولقد حصلت شخصيا على نسخة من التقرير، أي أن ماراثون الحوارات بين الحكومة والنواب وكل ما قيل فيه ليس سوى ذر للرماد في العيون والجفون ومضيعة للوقت ، ولكني أعذر رئيس الحكومة الذي ليس أمامه من سبيل إلا فعل ما يفعل بهذا الملف ، نظرا لحساسية الأمر ، ودقة المرحلة .
وأسأل هنا : لنفترض أن الأغلبية الساحقة من المواطنين لن تزيد فواتيرهم عن الخمسين دينارا ، فماذا سيفعل الذين تزيد فواتيرهم عن ذلك ؟ .
الجواب البسيط : أنهم سيدفعون طبعا ، ولكن السؤال : هل سيدفع هؤلاء فقط ، أم أنهم سيجبرون الجميع على الدفع ؟؟ .
هؤلاء ، في أغلبهم ، من بقايا الطبقة الوسطى التي تآكلت بفعل فاعل في الأردن ، ولهذا مقال خاص قد أعود إليه يوما ما ، فأصحاب المعامل والمزارع والمطاعم والفنادق والسياحة عموما ، سيعكسون فواتيرهم على البقية الباقية ممن لا تنطبق عليهم شروط الرفع ، وللعلم : ( أضرب السياحة مثلا تقاس عليها بقية الحقول ) فإن كلفة الطاقة على السياحة في أغلب دول العالم تصل إلى 5 % فقط أما في الأردن فتصل إلى 12% وهي من أعلى النسب دوليا ، أي أن رفع الأسعار ، هنا تحديدا ، سيضرب صناعة السياحة في البلد ويضاعف الفاتورة على الأشخاص والشركات ، ولا ننسى أن أي مطعم تود الدخول إليه ، حتى لو كان مطعم " فلافل " ، وهي المطاعم التي يدخلها أغلب الأردنيين ممن لا تنطبق على فواتيرهم الشروط ، فإن هذه المطاعم بحاجة إلى مكيفات وثلاجات وغيرها سيعوضها أصحابها والمستثمرون فيها برفع الأسعار على الناس ، مما سيجعل المواطنين يحجمون عن زيارة هذه المطاعم فيتسبب ذلك بركود وفي النهاية ببطالة مرعبة ، وقس على ذلك المطاعم والفنادق بمختلف فئاتها والتي ستنعكس أسعار خدماتها وما تقدمه من أطعمة وغيرها على الفاتورة ، إذ إن سعر الدجاج الذي تنتجه المزارع التي هي بأمس الحاجة لمكيفات وشفاطات وغيرها - مثلا - سيكون بعد الرفع غيره قبله ، وهكذا تقاس الأمور ، ولا يقولن أحد : إن هناك رقابة حكومية على الأسعار ، فإنه لا رقابة ولا ما يحزنون ، منذ إلغاء وزارة التموين ، رغم إعادتها في هذه الحكومة مقصوصة الجناح .
إذن : سيدفع المواطن العادي فاتورة الخمسين دينارا ، ولكنه سيدفع في المقابل فواتير أخرى ، ذلك أن معادلة : " رفع الكهرباء يعني رفع الأسعار " ، هي معادلة أزلية لا مناص منها ، سواء ارتفعت الأسعار بداية العام القادم ، أم الآن ، ولقد تنبهت الحكومة لهذه المعادلة فأعادت التأكيد بأن أسعار الخبز لن تمس ، لعلمها بأن رفع الكهرباء يخص الخبز أيضا .
سيدفع المواطن خمسينات وليس خمسينا واحدة ، وكل ذلك بسبب إهمالنا لموارد بلدنا ، واعتمادنا على غيرنا في الطاقة التي تضج بها أوديتنا وسهولنا وجبالنا ، ولقد نادينا وما أسمعنا أحدا ، ونادى قبلنا خبير الطاقة ، المستشار في البنك الدولي الدكتور ممدوح سلامة وغيره ، وها نحن نعيد الكرة ونقول : استثمروا في الطاقة ، وتعاقدوا مع مستثمرين عرب وغير عرب ، وكونوا اسياد أنفسكم ، وتعلموا من إسرائيل التي ما أن حجب المصريون عنها الغاز حتى بدأت بالإستثمار في حقل المتوسط وباتت في غضون عامين من مصدري الغاز في العالم ، أو تكاد .
وإني أخاطب من هذا المنبر رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور مباشرة ، وأذكره بقول الشاعر : " ما حك جلدك غير ظفرك ، فتولَّ أنت جميع أمرك " .
د. فطين البداد