لماذا خسرت جريدة الرأي 4 ملايين دينار ؟
بلغني أن موظفي صحيفة يومية معروفة لم يستلموا رواتبهم منذ ثلاثة أشهر ، مما دعاهم للإحتجاج لدى نقابتهم ، بل ووصل الأمر لرفع دعاوى قضائية ضد صحيفتهم التي تمر بضائقة مالية ، كما يبدو ، ولم تفلح كافة التطمينات التي قدمتها الإدارة للعاملين والصحفيين.
وقبل هذه الصحيفة ، المستقلة ، اعتصم عشرات الصحفيين في صحيفة يومية عريقة ، يبدو أن مشاكلها تتفاقم تباعا ، إلى أن بلغ بها الأمر أن تتقدم لرئاسة الوزراء بطلب " ضمان قرض " وافقت عليه الحكومة، فاستدانت رواتب موظفيها من أحد البنوك .
ونستذكر معا إضراب الصحفيين في الرأي الذين نصبوا خيمة في فناء الصحيفة ، وطالبوا بزيادات وحقوق تمت الإستجابة لها بعد أخذ ورد ، مع أن صحفيي الرأي محسودون من قبل زملائهم في الصحف الأخرى ، لما يتمتعون به من رواتب أعلى ، وامتيازات أكثر ، لتتكشف بعد ذلك ضائقة تعانيها الرأي - هي الأخرى ، سنتبينها في السطور القادمة .
ربما يكون ضيق حال الصحيفتين الأولى والثانية ، هو من باب نافلة القول وتحصيل الحاصل ، أما أن نسمع عن ضائقة تعانيها الرأي ، وأن ترتد أرباحها إلى خسائر ، فهذا ما لم يكن يخطرعلى البال ، إذا أخذنا بالإعتبار أنها الصحيفة الوحيدة شبه الحكومية التي يعين رئيس تحريرها ومديرها العام ورئيس مجلس إدارتها باعتبارات خاصة .
ما الذي يجري بجريدة الرأي بالضبط ، وكيف باتت هذه القلعة الحصينة تتعرض لهزات ؟؟ .
أود في هذه العجالة ، أن أبين للزملاء في الرأي أولا ، وللرأي العام ثانيا حقيقة ما يجري ، وأخص : الرأي العام ، لكون المواطن الأردني يعتبر شريكا ومالكا للصحيفة من خلال الضمان الإجتماعي الذي يملك ما يقرب من 55 % من رأس المال ، وأنوه ، أن المعلومات والأرقام التي أنشرها هنا ، هي معلومات وأرقام موثقة ولا مجال للتشكيك فيها بالمطلق ، ولنعد إلى البدايات :
فقد تأسست جريدة الرأي ( المؤسسة الصحفية الأردنية ) كشركة مساهمة خصوصية خلال العام 1971 ، وظلت كذلك إلى أن تحولت إلى شركة مساهمة عامة في العام 1986 برأسمال يبلغ مليون دينار .
ومع مرور السنوات ، تمت زيادة رأس المال ليصل إلى خمسة ملايين وخمسمئة ألف دينار ، بسعر دينار واحد للسهم ، وفي العام 2011 جرى رفع رأس المال ليصل إلى عشرة ملايين دينار ، ويحق للمؤسسة بموجب الترخيص أن تصدر الصحف وأن تقوم بأعمال التوزيع والطباعة والنشر .
وتقول حقائق لا مجال لإنكارها ، ويعلمها المطلعون ، وأنا أحدهم ، أن المؤسسة التي يساهم فيها البنك العربي بنسبة 10 % بالإضافة إلى الضمان الإجتماعي كما قلنا ، ظلت أرباحها في تصاعد ، إلى أن بدت بالإنحدار في السنوات الأخيرة ، بعد أن طلبت الإدارة التنفيذية في المؤسسة منحها مزيدا من المرونة في الإدارة والتنفيذ وهكذا كان ، حيث أديرت المؤسسة بطريقة القطاع الخاص حرفيا ، وبدلا من أن تستقر الأمور بدأت مراحل مربكة وهي تغيير في الإدارات كل فترة ، حتى بات الأمر غير مستقر ، وباتت السياسات تناقض نفسها ، لأن كل إدارة كانت تود إثبات صحة طريقتها ، مما انعكس سلبا على المؤسسة بشكل عام ، وترافق ذلك بزيادات مستمرة ودائمة للأجور والرواتب والعلاوات والمكافآت والتعيينات غير الضرورية .
ولربما يعترض عدد من الزملاء على قضية التعيينات ( غير الضرورية ) هذه ، ولكنهم سيبلعون ريقهم ويعذرونني عندما يعلمون ، بأن 67 % من إجمالي إيرادات المؤسسة تذهب كرواتب ، بحيث تصل هذه الرواتب لعشرة ملايين وخمسمائة دينار ، وهو رقم خيالي كما ترون .
صدمة الرواتب وغيرها ، أضعف قدرة إدارة المؤسسة على جني أرباح لتتحول هذه الأرباح - لأول مرة - إلى خسائر بحوالي أربعة ملايين دينار خلال العام 2012 .
ولما كان الإعلان هو المصدر الرئيس للإيرادات في أي وسيلة إعلام ، ورقية كانت أم الكترونية أم مرئية أم مسموعة ، فإن قطاع الصحف الورقية كان أكبر المتضررين ، بحيث توزعت الإعلانات على وسائل إعلام منافسة بلا شك ، دون أن ننكر بأن نتائج الشركات عموما منذ العام 2008 شهدت تراجعا لا شك فيه ، بعد أن أجبرت الشركات على تقليص موازنات الإعلانات لديها ، ولقد تراجع سوق الإعلان في الأردن بنسبة 16 % خلال العام الفائت 2012 ، بحيث أثر ذلك على إيرادات صحيفة الرأي بنسبة 13 % .
وقبل ان أختم مقالتي التي آثرت أن أسوقها كتقرير بدون أي تعليق لكي لا تقرأ في غير سياقها ، لا يفوتني أن أذكر باكتشاف تجاوزات مالية بحدود خمسة ملايين دينار تم تحويلها إلى القضاء ، مع الأخذ بالإعتبار بأن إحدى إدارات المؤسسة تتقاضى راتبا سنويا بقيمة 63 ألف دينار بالإضافة إلى سيارة بمصروفها وسائق وتأمين صحي وتعويض نهاية الخدمة ، وقس على ذلك .
أتمنى لهذه الصحيفة العريقة أن تعود لقوتها وأرباحها ، لكون جريدة الرأي هي الجريدة اليومية الوحيدة المرشحة بقوة للإستمرار ، ولكنني أرى - بالمقابل - أن ذلك لن يكون إلا إذا قامت بتصويب بعض الأخطاء الإدارية والتشغيلية وقننت من نفقاتها ، وتحولت إلى صحيفة ألكترونية خالصة لتتخلص من عبء الورق و " دوشة " الطباعة .
والله من وراء القصد .
د.فطين البداد