أحزاب أردنية بلا لون ولا طعم ولا رائحة
لو استبعدنا في نقاشنا هنا عن الأحزاب الأردنية قانونها والعدد المطلوب كشرط للتأسيس ، ولو تجنبنا خلاف الأعيان والنواب عند إقرار القانون حول العدد ، وكيف أن الأعيان هم الذين اشترطوا الخمسمئة منتسب ، مضاعفين المئتين والخمسين التي أرادها النواب ، والعشرة بالمئة المخصصة للنساء ، وما نص عليه القانون من أن نسبة المؤسسين في كل محافظة يجب أن لا تقل عن خمسة بالمئة ، لو استثنينا كل ذلك ، ونحينا جانبا قصة مرجعية الأحزاب التي تشبه قصة " إبريق الزيت " : هل هي تتبع الداخلية ، كما حسم أمرها الآن ، أم تتبع وزارة التنمية السياسية أو غيرها ، فإنه لا بد من التسليم بأن الاحزاب الأردنية فشلت فشلا ذريعا في استقطاب جماهير الشعب الأردني ، ليس بسبب أنها أحزاب وليدة ، ولكن لأنها - بأغلبها - أحزاب عائلية أو شخصية فاشلة من الأساس ( أقصد البعض ) ولن يستطيع أحدها مما نقصد ونعني وهي الغالبية الساحقة منها أن يجمع أنصارا ملء " بكب أب " كما يعلق الأردنيون .
ولو استثنينا حزب جبهة العمل الإسلامي المهيمن على الساحة الحزبية ، وحزب الوحدة ، وواحدا أو اثنين أو حتى ثلاثة أحزاب من تلك التي تعتبر جادة وواعدة ، فإن بقية العشرين حزبا التي سجلت واعتمدت بوزارة الداخلية تصبح " حمولة زائدة " شأنها شأن مؤسسات وهيئات أخرى وعدت الحكومات المتعاقبة أن تدمجها أو تلغيها ، وأقترح - بهذه المناسبة - أن تدرج " الاحزاب " ضمن الهيئات والمؤسسات المستقلة الآيلة للإلغاء ، وهذا على سبيل التفكه .
بلغني أن موازنة الدولة الأردنية المرهقة تدفع لكل حزب سنويا مبلغ 50 ألف دينار كنوع من الدعم الذي " قد " تحسن فيه الأحزاب من أدائها ، أو لعله مبلغ يدفع لأسباب أخرى ، وما يعنيني هنا : هو أن المليون الذي دفع للأحزاب العشرين المعتمدة من قبل وزارة الداخلية خلال العام 2012 ، وهذه معلومة بالمناسبة ، ليست مقتصرة على هذا المبلغ ، طالما أن القانون يمنح الأحزاب حق تلقي التبرعات من الأردنيين بحد أعلى قدره خمسون ألف أخرى ، أي أنه بإمكان كل حزب ، أن يجمع مئة ألف دينار ، نصفها من الدولة ، كل عام ، ورغم ذلك ، فإننا لا نكاد نسمع ونرى لبعض هذه الاحزاب لا جعجة ولا طحنا .
أعتقد أن الساحة السياسية في الأردن ستظل خالية من أي منافسة حقيقية مع الإسلاميين ، طالما أن نظرة المجتمع للتحزب والأحزاب لا زالت تتعاطى مفاهيم وانطباعات السبعينات والثمانينات بل والتسعينات من القرن المنصرم ، حتى وصل الأمر بالمجتمع أن ينبذ الحزبي ويتبرأ منه ، وهذه " سيمفونية " نسمعها من أمناء بعض الأحزاب الذين فاتهم أن تثقيف الناس بالحزب وأهدافه وخططه وانغماسه في قضايا المجتمع السياسية والإجتماعية وغيرها هو الذي سيغير نظرة الناس للأحزاب ، ويجعلهم يتقبلون فكرة " الحزب والتحزب " ، لا أن نضع اللوم على المجتمع ، وننظر إليه كأنه " دهماء " بينما نعتبر أمناء الأحزاب هم " النخبة " بغض النظر عن ثقافتهم طالما أنهم لديهم مقدرة مالية أو عشائرية أو غيرهما .. دون أن نهمل دور الدولة التي يجب أن تجعل من فكرة التحزب والأحزاب " عقيدة " لا بد من اعتناقها رسميا فعلا ، لا قولا ، وليس فقط تخصيص مبالغ مالية لكل حزب اجتاز شروط التأسيس .
الإسلاميون نجحوا في حزبهم ليس لأن أفكارهم مقبولة ، أو مآربهم منتظرة ، ومقاصدهم " مهضومة " بل لأنهم اعتمدوا استراتيجية البناء والتنمية في الإنسان ، فبات الملتحق بهم متشربا من أفكارهم ومقتنعا بتوجهاتهم ، بغض النظر أكانت هدامة أم بناءة ، رغم أن علاماتهم الفارقة هي استغلال الدين والعزف على وتره ، والأردنيون متدينون بطبعهم .
لا أقترح هنا اجتراح مبدأ عقائدي ، أو فكرة فلسفية ، أو ما شابه لمقارعة الإسلاميين ، بل أن تنزل الأحزاب إلى الشارع وأن تحتك بالناس ، وتكون معهم في أفراحهم وأتراحهم ، سواء على الصعيد الجمعي أو الفردي ، لأنه بغير ذلك ، فإن أغلبية الأحزاب الأردنية سيظل شغلها الشاغل كيف تنتهي السنة الحالية ، لتحل السنة القادمة التي تحمل بشائر الـ 100 ألف دينار ، ولا بأس - حينها - من تكرار واجترار التجربة الفاشلة إياها ، وهي أن يقتصر دورها على إصدار البيانات من خلف المكاتب ، والأمر كله لا يحتاج سوى لكمبيوتر وسكرتيرة وفاكس وإيميل وكان الله بالسر عليما .
د.فطين البداد