لقطاء الشوارع وإنهاء معونة ستة آلاف اسرة أردنية
عندما تتخذ وزارة التنمية الإجتماعية قرارا بإلغاء المعونة الوطنية عن مستفيدين منها ، وغالبا ما يكونون مستحقين لها، إذا استبعدنا بعض الحالات ، فإن هذا يعتبر تجديفا على المبادئ التي ما أنشئت الوزارة إلا من أجلها ، فالوزارة المذكورة حجبت المعونة - منذ بداية عام 2013 حسب علمي - عن ما يقرب من ستة آلاف أسرة ، بدعاوى مختلفة لا أرغب في الخوض فيها .
إن الاسرة الاردنية التي تتقاضى معونة شهرية من وزارة التنمية الإجتماعية ، ليست - في مجملها - تفعل ذلك ترفا ولا استغلالا ، إذا أخذنا في الإعتبار أن أي معونة تقدم ، أو أي طلب يعتمد ، لا تتم الإستجابة له إلا بعد أن يمر صاحبه واسم صاحبه على العديد من المراجع التي يجب أن تؤكد - بدورها - حاجة هذا المواطن للمساعدة الشهرية : فبالإضافة إلى دائرة الأراضي والضمان الإجتماعي اللذين يجب أن يثبت من يطلب المعونة أنه لا يستفيد منهما ، فإنه مطلوب منه أيضا أن يثبت بأنه لا يتقاضى أي معونات من أي جمعيات أخرى ، بحيث يعطى المواطن قائمة بعدد من الجمعيات ، ويطلب منه إحضار تواقيع هذه الجمعيات وأختامها قبل أن يتم اعتماد طلبه ، وبعد أن يتم اعتماد طلبه يخضع هو وأسرته إلى زيارات مفاجئة من الباحثين الإجتماعيين الميدانيين للوقوف على أوضاعه الإقتصادية ، والإجتماعية ، ويتم سؤال الجيران والمعارف " إن وجدوا " وتمحيص كل ما يتعلق بهذا الشخص ، ناهيك عن البحث عن اسمه ألكترونيا في مراجع عدة جهات ، أي أن كل مواطن أردني يدرج ضمن قوائم المستفيدين من المعونة الوطنية الشهرية ، يمر بما يشبه المستحيل ، ومن ثم يتم اعتماده ، والعجيب أن مدة اعتماده محصورة في ستة شهور ، أي أن عليه - بعد انتهاء تاريخ الكرت أو الدفتر الخاص به أن يمر في نفس العام بذات المسلسل من المصاعب والمتاعب من جديد ، فتبدأ رحلة " سندياد الأردني " تارة أخرى مرتين في العام على طريقة تجار قريش ورحلة الشتاء والصيف .
أما الأسر الذي تم حجب المعونة عنها ، فإن بعضها لا يعرف لماذا فعلت الوزارة ذلك ، وهل مرت معاملات شطب أسمائها بكل تلك الحيثيات التي مر بها المواطن قبل أن تقرر حجب المعونة عن عياله ، أم أن القضية لا تتعدى فنجان قهوة ، وتوقيعا من قلم موضوع على المنضدة يتثاقل في حمله موظف كسول ؟؟ .
إن الجهود التي تبذلها هذه الوزارة التي أعتبرها " استراتيجية " وليس خدمية فقط ، هي جهود جبارة ، إلا أن كل الجهود هذه تصبح " حراث جمال " إن تعلق الأمر بالنهايات ، والأمور تقاس بخواتيمها .
فلو أخذنا بالإعتبار - بالإضافة إلى الستة آلاف أسرة الآنفة الذكر - أولئك الذين يطلق عليهم " مجهولي النسب " وهم بالمئات ، فإن الوزارة تقوم بواجبها حيالهم ، ولكن إلى حين .
فلقد علمت بأن الفتاة والشاب من هؤلاء ، يظلون متمتعين بالعناية إلى حين بلوغهم الثامنة عشرة ، أما بعد هذا السن ، فإنه يتم إلقاؤهم في الشارع ، أي أن كل تلك السنوات من الرعاية والتدريس والنفقات تذهب سدى ، ويقول البعض : إن كثيرا من الفتيات اللاتي تتخلى عنهن الحكومة ، ممثلة بوزارة التنمية التي يجبرها القانون على ذلك ، يعملن في ملاه ونواد ليلية ،بحكم فقدان المعيل، وفقدان " الأمل " ، وإن كثيرا من الشباب يصبحون " أبناء شوارع " ويكفي أنهم حرموا من بعض حقوقهم الأساسية .
كيف لم ينظر مجلس النواب ، الذي من حقه اقتراح قوانين ، وكيف لم تنظر الحكومة لهذه القضية فتبعث لديوان التشريع أمرا بإعداد مشروع قانون يجبر وزارات ومؤسسات أخرى على متابعة هؤلاء بعد سن الثامنة عشرة ، أم أننا نكون نابهين وعاقلين إن التقطنا " اللقيط " من الشارع ، وبعد أن يصبح شابا نعيده إليه ونقول له " دبر حالك " .
أنا لا أطلب هنا من الدولة أن تحتضن هؤلاء إلى نهاية أعمارهم ، ولكن أطلب أن يتم تعديل القانون ، فلا يلقى أي من الشباب أو البنات إلى النوادي الليلية أو قاع المدينة إلا بعد أن يكونوا قد تعلموا مهنة نافعة ، ويتم تأمينهم في أماكن عمل تستفيد منهم ، وبذلك نكون قد حافظنا على المجتمع ، وعلى هؤلاء المواطنين الغلابى وأعطيناهم بعض الدفء والأمان .
إنني أثني على جهود وزارة التنمية الإجتماعية التي تعيل ما يقرب من 80 ألف أسرة أردنية برواتب شهرية قد تصل إلى مبلغ 70 مليون دينار سنويا ، ولكني أطلب من وزيرتنا المحترمة أن تراعي الأسر التي تحجب عنها المعونة ، وأن لا تكتفي بتقارير ميدانية قد تكون غير ميدانية ، وأن تكون هي المبادرة في طلب تعديل القانون الذي يجبرها على التخلي عن مئات من الشباب والبنات الذين يعيشون في هذه الأثناء " على الأرصفة ، لأن من صميم عمل الوزارة ، ليس فقط التقاط المتسولين من على الإشارات الضوئية ، بل - أيضا - منع آخرين هي ربتهم ، واعتنت بهم لثمانية عشر عاما ، من أن يكونوا هم أيضا متسولي إشارات ، او زبائن سجون !.
د.فطين البداد