عن الهواء والماء والكلأ والنار الأردنية

تم نشره الأحد 04 آب / أغسطس 2013 02:25 صباحاً
عن الهواء والماء والكلأ والنار الأردنية
د.فطين البداد

لا أعتقد أن الهروب الحكومي الأردني من فاتورة الطاقة التي تأكل الموازنة إلى جيوب الأردنيين هو الحل الأمثل ، وأخشى ما أخشاه ، أن تستمرئ الحكومات المتعاقبة الأمر ، فتصبح " رقبة المواطن سدادة " وكفى الله الحكومة مؤونة البحث عن بدائل .

كنت أعتقد ، أن جيوب المواطن وجيوب الحكومة وحدة واحدة ، كون الإثنين شريكين في الوطن ، ولكن عين الحكومة " المحملقة " دائما بجيوب عباد الله المثقوبة أصلا ، وتحصيلها ملايين إضافية جراء رفع الأسعار ، المرة تلو المرة ، ينبئ بأن الأمر مختلف .

فطالما أن رفع الأسعار لا يتعدى قرارا يصدر عن وزير الصناعة والتجارة ( التسعير شهري بالمناسبة ) فإن هذا الحل يريح الأعصاب ويكفي الحكومة وزر التعب و" وجع الراس " مع أن البدائل متوفرة حيث يقفز إلى الذهن فورا الصخر الزيتي ، والغاز ، وهو ما تطرقنا إليه في مقال سابق ، ولكننا هنا نتحدث عن أمر رديف .

فلو طرحنا الصخر الزيتي والغاز جانبا ، وتعمقنا في البدائل المتوفرة في بلد مثل الأردن لاكتشفنا بأن بلدنا يتمتع بكل مقومات الحياة ، وليس من دليل أكبر من استثمار حقل الديسي في الجنوب الذي بدأ يروي عمان وما حولها ، في مشروع هو الأضخم من نوعه في تاريخ المشاريع الأردنية الكبرى ، حيث ساهمت الحكومة فيه بمقدار الثلث ، بينما غطى الثلثين شركات خاصة أحسنت استثمار الأمر ، وها هي مأساة العطش الأردني تحل من جذورها ، حيث يقول خبراء : أن حقل الديسي يكفي الأردنيين لمئات السنين ، بما في ذلك المشاريع الإقتصادية ، فما الذي يتبقى إذن ؟؟ .

إنها معادلة " الهواء والماء والكلأ والنار " وهذا الرباعي هو وحدة مترابطة ،إن أحسنت أي دولة استثمار ما لديها من هذه العناصر فإنها تستغني عن العالم أجمع .

أصبح سهلا جدا أن نتمكن في الأردن من الإحاطة بعنصر الكلأ بعد أن أحطنا بأهم عنصر وهو الماء الذي ينبته ويخرجه ، " الديسي " ، فلماذا نحن فاشلون في الإحاطة بالعنصرين الآخرين : الهواء والنار ( طاقة الرياح وطاقة الشمس ) وهما صنوان لا يفترقان ؟؟.

لقد صدر قانون الطاقة المتجددة في الأردن في العام 2012 ، أي في عهد حكومة الدكتور عبد الله النسور ، وهو قانون شامل لكافة ضروب الإستثمار في حقول الطاقة البديلة ، ولكني أعلم ، وهنا أفشي سرا بالمناسبة - أن الحكومة لم توقع حتى الآن على أي اتفاقية مع أي شركة استثمارية ، والأسباب غير مبررة ، وقد ترد في السياق .

فالإستثمار الذي حدده القانون هنا ، يتم إما عن طريق العطاءات التنافسية ، أو من خلال العروض المباشرة ، وهذه الأخيرة أقرها مجلس الوزراء بتاريخ 12 - 4 - 2011 ، أي منذ ما يقرب من عامين وأربعة شهور ، ولكن هذه العروض للأسف - لا زالت حبيسة الأدراج ، وكل ما تم فعله ، أن قامت الحكومة بتوقيع مذكرات تفاهم ليس إلا .

لقد اشترط القانون على أي مستثمر في حقل الطاقة المتجددة ، أن يرفق مع عرضه خطة التطوير بما فيها التصميم الأولي وخطة تمويلية مبدئية موثوقة ، بالإضافة إلى نسب مساهمة المدخلات المحلية في المنشأة والبناء والتشغيل وهذا كله مفهوم ولا بأس عليه ، بل هو من صميم أي مشاريع عملاقة ، ولكن نسأل من جديد : لماذا لم يتم التوقيع مع أي شركة استثمارية طالما أن البعض منها قدم ما طلب منه حرفيا ؟؟.

كما وإن الشرط الآخر الذي تضمنه القانون يتعلق بإثبات المتقدم للعرض بأنه قام بتنفيذ منشآت لتوليد الطاقة المتجددة أوتطويرها مشابهة لعرضه ، ويعتبر هذا بالمقياس العام شرطا مقبولا ، ولكنه أبعد عددا كبيرا من المستثمرين الذين يرغبون في الإستثمار للمرة الأولى عن المنافسة ، ومن شأن الإحتفاظ بهذا الشرط أن " يطفش " كثيرين ، فليس من الضرورة بمكان أن يكون من يرغب بالإستثمار في المطارات - مثلا - طيارا ، أو في الموانئ " بحارا " أو سبق لهما أن اقاما مطارات أو موانئ ، وهلمجرا ..

ومن المشجع أن مجلس الوزراء اعتمد السياسة التي طلبتها الوزارة للتعامل مع تطوير مشاريع الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء ، ودفع بالإقتراحات إلى ديوان التشريع فمجلس الأمة ،ليصبح ذلك قانونا نافذا فتم نشره في الجريدة الرسمية ، ونص على التزام الحكومة بشراء جميع الطاقة المولدة بموجب اتفاقية شراء الطاقة ، وليس هذا فقط ، بل إن الحكومة تتحمل تكاليف ربط المنشأة على الشبكة ، ولزيادة الجاذبية ، فقد صدر نظام يعفى بموجبه المستثمر من جميع الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات ويشمل الإعفاء جميع أنظمة وأجهزة ومعدات مصادر الطاقة المتجددة ومدخلات إنتاجها وتصنيعها ، المصنعة محليا أو المستوردة ، وهو نظام صدر بتاريخ 2 - 1 - 2013 ( نظام 10 لسنة 2013 ) .. أي أن كل شيء جاهز ، وحضاري ، واستثماري ولا ينقص سوى الإرادة وعدم الخوف ، بل إنني أتساءل : الخوف من ماذا ؟؟ .

إن في العالم شركات كبرى تود المنافسة ، وإن أسرعنا في ذلك ، فإن

الهواء الأردني والماء الأردني والكلأ الأردني والنار الأردنية ستجعلنا بلدا متمتعا بالإكتفاء الذاتي ، فلماذا التلكؤ إذن ، أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟ ..

د.فطين البداد

 fateen@jbcgroup.tv

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات