أموال حكومية وشركات أردنية على " حل شعرها " !
عقبات كأداء تقف حائلا بين التعاطي مع المال العام بعلمية تحافظ عليه وتصونه ، وبين التعاطي معه بعقلية بدائية تتسبب بهدره واختفائه في جيوب المنتفعين ، ممن لايقوون على العيش بغيابه ، ولا يستطيعون الإستمرار بدونه ، وهذه من الأسباب الرئيسة في معاناة كثير من الدول والشعوب .
أما عندنا في الأردن ، فإنني لا أرغب في ضرب أمثلة على مساهمات الضمان الإجتماعي - مثلا - في شركات خاسرة ، وبعضها شركات إعلامية ، أو في شركات تغط مغميا عليها في غرف الإنعاش ، تدفع رواتب موظفين لا يعملون ، أو لا يعنيهم خسارتها وانكفاؤها وقلة حيلتها وخبوت " هيبتها " حيث إن المهم لديهم أن يقبضوا رواتبهم نهاية الشهر ولتحترق روما .
ولا أرغب أيضا في طرح أمثلة عن مساهمات حكومية في شركات رئيسية واستراتيجية أو القوانين التي تسيرها ، ولكني سأكتفي بالعناوين بدون تفصيل ممل ، لعل وعسى أن تصل الغاية من هذه المقالة إلى الحكومات ، فتستفيد منها ، ولا أدعي هنا النبوغ والصواب ، ولكن أؤمن بأن " فوق كل ذي علم عليم " :
إذا كان ممثلو الحكومة الأردنية في مجالس إدارة الشركات تابعين لوزارة المالية مثلا ، فإن الوزارة هي المسؤولة أولا وأخيرا عن مراقبة أداء هذه الشركات ، ولكن الذي يجري ، وجرى ، هو أن الحكومات الأردنية هربت من خسارات الشركات " الفاشلة " إلى قانون يدعى " قانون إلغاء قانون المؤسسة الأردنية للإستثمار رقم " 43 " لسنة 2008 الذي رسم - بموجب تعليمات - الخطوط العريضة لطبيعة تمثيل الحكومة في الشركات التي تساهم فيها .
فإذا كنا نسلم بأن القطاع الخاص هو الأقدر على النجاح ، فإن هذا لا يعني أن الحكومات التي " تشتغل " بالإقتصاد " من كل عقلها " هي حكومات فاشلة بالمطلق .
فالعضويتان اللتان تستطيع الحكومة تمثيل نفسها بهما في مجالس الإدارة ( العدد حد أدنى ) حددهما قانون الشركات رقم " 22 " لسنة 1997 ونظام الخدمة المدنية رقم " 30 " لسنة 2007 وتعديلاته وتعليمات تمثيل الحكومة في الشركات التي تساهم فيها رقم " 1 " لسنة 2008 ، حيث نصت المادة ( أ- 4 ) من التعليمات أن اختيار ممثلي الحكومة يتم بناء على الكفاءة والإختصاص من موظفي الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية العامة بناء على تنسيب وزير المالية ، أو من أصحاب الكفاءة والإختصاص من القطاع الخاص في حال عدم توفرها في القطاع العام ، ولكن الذي يجهله كثير من الإختصاصيين ، أن هذا الأمر مقتصر على الشركات التي تساهم الحكومة في رأسمالها بنسبة 50 % فأكثر ، أما الشركات التي تساهم فيها الحكومة بنسبة أقل فإن فيها ممثلين طبعا ، ولكنها شركات لا تخضع لديوان المحاسبة وتظل تعمل " على حل شعرها " دون ان تفهم وزارة المالية ما الذي يجري ، وليس هذا فقط ، بل إن القانون يمنع الديوان وبالنص من مراقبتها وليس فقط محاسبتها ، فما هو الفرق يا ترى ، بين الشركات المراقبة من وزارة المالية ، وديوان المحاسبة والشركات غير المراقبة ؟؟ .
قد تصدمون إذا علمتم أن الأمر سيان ، مع أنه يفترض أن لا يكون كذلك .
هل تعلم الحكومة - مثلا - : أن الذي كان يمثلها في شركة مناجم الفوسفات التي أثيرت حولها ضجة مؤخرا غاب خلال العام 2012 عن 14 اجتماعا لمجلس الإدارة من أصل 24 عقدها المجلس في غضون ثلاثة اشهر ؟؟ .
وهل تعلم الحكومة بأن اثنين من ممثلي الحكومة في شركة البوتاس العربية وهما وزير سابق وأحد المتقاعدين غابا في غضون شهرين فقط عن ثماني جلسات هامة عقدها مجلس الإدارة .
وهل تعلم الحكومة بأن اجتماعا لمجلس إدارة شركة البترول الوطنية غاب ممثلو الحكومة فيه عن تسع جلسات له في غضون أقل من شهر ونصف ، وهم : وزير سابق ، ومدير دائرة ، ومدير مديرية .
وإذا كانت شركة توليد الكهرباء تعاني من مديونية تكسر الظهر كما يقال ، فإنه إذا عرف السبب بطل العجب ، حيث إن ممثلي الحكومة في هذه الشركة المملوكة لها بالكامل وهما أمين عام - هيئة ، ومدير مديرية - وزارة ، غابا عن 5 جلسات من أصل 6 عقدها مجلس الإدارة طوال العام 2012 ، والأمر الصادم - وأرجو أن تمسكوا أعصابكم - هو أنه ومنذ العام 2007 لغاية العام 2012 فإنه لم يعقد سوى ( 12 " اجتماعا لمجلس الإدارة العتيد ، ويقولون لك إن الشركة مدينة بمليار .. ( معلوماتي موثقة بالمناسبة ) .
هناك أمثلة أخرى لا يتسع المجال لذكرها ، ولكن أتوقف عند قضية خطيرة لها علاقة بالشركات التي تقل نسبة مشاركة الحكومة فيها عن 50 % ، حيث إن هذه الشركات ليست فقط حلا من رقابة ديوان المحاسبة كما قلنا ، بل هي حلٌّ - أيضا - من مراقبة مجلس النواب ، وإليكم هذه القصة التي وقفت عليها :
فقد بعث أحد النواب بسؤال يستفسر فيه عن مبالغ تقاضاها عدد من الأشخاص في بعض هذه الشركات ، وعن نفقاتها ومشاريعها بالتفصيل ، وبالفعل ، بعثت الأمانة العامة للمجلس بالسؤال إلى الرئاسة ، وبعد أن وقعه رئيس المجلس بعثته الأمانة العامة للشركة المذكورة ، وإذ بالجواب يقول " " إن الشركة خارج سلطة المجلس بموجب القانون " ليتبين - فعلا -- بأن الـ 49 % التي تساهم فيها الحكومة ، أو أقل من ذلك ، لا شأن لأحد بها حتى لو كانت الحكومة الأردنية ، وهذا أمر معزز بالقانون الذي لا أدري كيف مر على النواب ، وهل تشجيع الإستثمار هو أن أعطي شركات خاصة مئات أو عشرات الملايين وأنتظر منها هي أن تقول لي أين هي أموالي ، بينما يغط من يمثلني فيها في سبات عميق ، أو يغيب عن الإجتماعات بلا رقيب ولا حسيب !؟ .
هناك شركات خاسرة ويتم تمويلها بأموال الأردنيين وأموال أجيالهم ( الضمان مثلا ) وهناك شركات تخسر أمام أعيننا وتنزف ملء سمعنا وبصرنا ( ذكرنا بعضها آنفا ) ولكننا لا نفعل شيئا .
أوليس الأمر بحاجة إلى مراجعة صارمة : من يخسر يغلق ، ومن أخطأ يحاسب ، ومن لم يحضر من اجتماع مجالس الإدارات سوى جلستين في العام ضمن شركات ممولة بدماء الأردنيين وعرقهم يحاكم .
إن النزيف المستمر في عشرات الشركات الممولة بمئات الملايين من جيوب الأردنيين هو نزيف بحاجة إلى " جراحة عاجلة " ، وليس إلى تعرية الأردنيين من ملابسهم وتحويل قمصانهم و" دشاديشهم إلى " شاش وقطن وضمادات " .
إفقأوا هذا الدمل ، وأريحوا واستريحوا ، فبدل أن تطفئوا أعمدة الكهرباء عن الشوارع الرئيسية لتوفروا في" العام " 7 ملايين دينار ، فإنه بالإمكان توفيرها وتوفير العشرات من أمثالها خلال دقيقة ، وكل ما يتطلبه الأمر هو فقط " " إرادة و " جرة قلم " !! .
د.فطين البداد