وما أدراك ما الإنتخابات البلدية وما فعل القانون ببلدية إربد وأخواتها !
لعل اللغط الذي أحاط بقانون البلديات رقم 13 لعام 2011 لم يحط بقانون آخر ، فالقانون الذي أقر في عهد مجلس النواب السابق واجهته تساؤلات من قبل المجلس السابع عشر ، ووصل الأمر بالمجلس الحالي أن يبعث باستفسار تركز حول شبهات دستورية تتعلق بالعديد من مواده من مثل المواد : 2 ، 3 ، 5 ، 8 ، 33 ، 26 ، مما دعا المحكمة الدستورية إلى رد الطلب ، ليدور لغط آخر حول رد المحكمة نفسه ، وهو ما يثير زوابع أخرى ، مع أن قرار المحكمة لم يخرج عن تخصصها ، بينما يقول قانونيون : إنه كان بالإمكان الرد والحسم ، على اعتبار أن ما قصده النواب هو طلب " استشارة " ولم يكن طعنا بالمواد المذكورة ، والهدف هو إجراء الإنتخابات بارتياح وبدون أي إرجاف .
وأيا كانت الأسباب التي دعت مجلس النواب لإرسال استفساره للمحكمة الدستورية ، وأيا كان رد المحكمة ، فإن الإنتخابات ستجرى في موعدها في السابع والعشرين من هذا الشهر ، ولكن : هل إصرار الحكومة على إجرائها في ظل كل هذه البلبلة والتساؤلات والتشكيك خطأ أم صواب ؟؟ .
لا أرغب في الخوض بتفاصيل إجابة هذا السؤال ، ولكني أؤكد بأن قانون البلديات هو من أهم وأخطر القوانين التي تتعامل معها أي دولة تنشد الإصلاح والتطوير ومشاركة المجتمع المحلي بالحكم ، واعتماد اللامركزية الإدارية ، إلا أن الذي يقف سريعا عند القانون يجد أن الوزير يمسك بكثير من مفاصل البلديات وأسس عملها ، بدل أن يكون عمله إشرافيا فقط كما هو متبع في كل الدول الديمقراطية ، حيث فقدت البلديات الأردنية بالقانون المذكور كثيرا من صلاحياتها ، ويكفي أن مجلس الوزراء لا يزال يعين ثلث أعضاء مجلس أمانة عمان بالإضافة إلى الأمين ، وكذلك الأمر بالنسبة للعقبة والبتراء التي لا تشمل الإنتخابات كافة المواقع فيها ، ويكفي أن الحكومات خالفت القانون بإغفالها مواعيد إجراء الإنتخابات التي أجلت أكثر من مرة ، ناهيكم عن قضية مجتمعية بامتياز ولها ذيول خاصة وهي قضية فصل البلديات ودمجها التي أثارت أكثر من عاصفة و" إغلاق شوارع " في أكثر من مكان.
ورغم كل ذلك ، فإنني أدعو المواطنين للمشاركة في الإنتخابات ، على أمل أن يتم تعديل القانون بعد ذلك كما أخبرني وزير عامل .
ولأنني قررت الخوض في الشأن البلدي في مقالتي لهذا الأسبوع ، فإنني سأضرب أمثلة موثقة وغير قابلة للشك أو التفنيد ، عن حال البلديات في ظل قوانين عفا عليها الزمن ، فباتت البلديات لعشرات السنين تحت وابل من قصف الديون التي لا تتوقف ، وأضرب مثالا على ذلك ببلدية إربد كأنموذج لكم أن تقيسوا عليه اسم البلدية التي تشاؤون ، ومن خلال الأمثلة التي سترد ، تكونون في صورة ما تفعله قوانين البلديات وأنظمة الإنتداب الصادرة عنها :
فقد بلغت مديونية بلدية إربد لبنك تنمية المدن والقرى ما يصل إلى 19 مليون دينار ، لا أدري أين أنفقتها البلدية التي يفترض أن تنتج أصلا ، وتدخر من ريعها الذاتي ، وإذا ما قفزنا عن البنك المعني بالبلديات ، فإننا سنفاجأ بأن نفس البلدية مدينة لمقاولين ولمواطنين بسبب الأشغال وقضايا الإستملاك بما يصل إلى 3 ملايين دينار ، وأضف إلى هذا الرقم الأمانات الحكومية المدورة بقيمة ( 1350000 ) مليون دينار - مليون وثلاثمئة وخمسون ألف دينار - التي بدأت وزارة المالية بتسديدها عن حصة البلدية في مخصصات المحروقات ، من خلال تسديد المبلغ بطريقة الدفعات الشهرية .
وتكشف وثائق حصلت عليها : أن البلديات الصغيرة التي ألحقت ببلدية إربد وضعت كافة ديونها والتزاماتها على بلدية إربد الكبرى ( رواتب ، مديونية ، مطالبات مالية ، أمانات للغير ) وهو ما حول البلدية إلى مركز ( جباية ) من ( جيوب ) المواطنين التي تعتقد الحكومات أنها لا تنضب ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل إن البلدية ، ورغم كل ما ذكرناه ، قامت بإقرار زيادات لموظفيها وهو ما كلف صندوق البلدية ما يصل إلى ( 2500000 ) مليون دينار سنويا - مليونان وخمسمئة ألف دينار - مما جعلها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها لا تجاه المجتمع المحلي الذي يفترض أن تخدمه ويخدمها ، ولا تجاه تنفيذ مشاريعها الخدمية المتعطلة ، ونفقاتها وعجزها المالي المتراكم ، فما هي آثار ذلك على الإلتزامات الأخرى يا ترى .. ؟
لقد نتج عن كل ذلك أن البلدية لم تسدد أمانات اقتطاعات الضمان الإجتماعي مما ترتب عليها دفع فوائد تأخير بالآلاف ، وقد تصدمون إن علمتم أن المبلغ الشهري المطلوب للضمان من البلدية كاشتراك موظفين هو ( 90000 ) دينار ( تسعون ألفا ) .. فهل وقف الأمر عند هذا الحد ؟؟ .
كلا بالطبع ، وهنا نعرج على قضية الموظفين المنتدبين من بلدية إربد إلى بلديات أخرى مع تحمل البلدية كافة رواتبهم ،وأنوه هنا أن " التنفيعات هنا على قدم وساق ، فالموظف الذي يتحصل على راتب قدره 400 يصبح منتدبا براتب قدره 4000 في نفس البلدية ، أي لمجرد انتقاله من المكتب " أ " إلى المكتب " ب " ، وهلمجرا ، ولكم أن تقرأوا المشهد بعناية ، وتروا شبهات كثيرة في أكثر من زاوية تسببت بها قوانين البلديات .
فقد قالت الأرقام التي بحوزتي : إن البلدية تكبدت زيادات عن رواتب موظفيها الذين نقلتهم " منتدبين" لبلديات أخرى ومديريات وجمعيات واتحادات خيرية ووزارات وعلى النحو التالي :
1 - : عام 2009 - 2008 - : دفعت البلدية فرق رواتب بقيمة 51369 دنانير .
2 - : عام 2010 - 2009 - : 29502 دينار .
3 - : 1011 - 2010 - : 38028 دينارا .
4 - : 2012 - 2011 - : 33548 دينارا .
5 - : 2013 - 2012 - : 64529 دينارا .
ولنأخذ آخر سنة كمثال ( 2012 ) وعليه قيسوا بقية السنوات ، وهي على النحو التالي :
بلغ عدد الموظفين المنتدبين من بلدية إربد إلى خارجها 20 منتدبا ، دفعت البلدية فرق رواتب لهم بقيمة 64529 كما ذكرنا، ولكن كيف هي الرواتب ، و" الفرقية " إن شئم أن أتحدث بلغة العامة ؟.. :
1- : موظف تم انتدابه من البلدية إلى مديرية الشؤون البلدية في بلدية إربد نفسها براتب قدره ( 2200 ) دينار شهريا .
2 - : موظفة يبدو أنها " مدعومة " انتدبت من البلدية للوزارة ليقفز راتبها إلى ( 5333 ) دينارا شهريا .
3 - : موظف آخر انتدب من البلدية إلى الوزارة في عمان براتب قدره ( 4245 ) دينارا شهريا .
4 - : موظفة تم انتدابها من البلدية إلى البلدية نفسها ( أي نفس المبنى ) براتب قدره 5868 دينارا شهريا ، بعد أن كان راتبها لا يتعدى 400 دينار .
على ذلك قيسوا بقية الأعداد والأرقام ، علما بأن لدي أسماء مفصلة وأرقاما عن كل سنوات الإنتداب المذكورة ولمختلف البلديات .
وكما قلت : بلدية إربد أنموذج ، أحببت أن أطرحه كمثال على ما فعله قانون البلديات يوما ما ، فماذا تراه يفعل قانون 2011 الذي سننتخب الثلاثاء على أساسه ؟؟ .
د.فطين البداد