من الأقوى : مجلس الأعيان أم مجلس النواب ، ولماذا ؟
لا يوجد أي إشارة دستورية تحتم أن يكون عدد الأعيان نصف عدد النواب ، كما يعتقد كثيرون ، حيث إن الدستور نص على أن لا يتجاوز عددهم نصف عدد النواب ، فقط لا غير ، ولا صحة لما عدا ذلك .
قائمة الأعيان الجديدة والتي أعلن عنها ليلة الخميس - الجمعة - وتشكلت من نصف عدد النواب - أي 75 عينا - ضمت أسماء لامعة في العمل العام ، وتربع على رئاسة المجلس بإرادة ملكية كما ورد بالنص رئيس الوزراء الأسبق السيد عبد الرؤوف الروابدة ، وهو من هو في مجال التشريع والقوانين والعمل البرلماني عموما .
يعتقد كثيرون : أن التعديلات الدستورية الأخيرة أضعفت الأعيان ، وسلبت منهم مهامهم التشريعية والرقابية ، وهذا غير صحيح بالمطلق إلا في ما يتعلق بالثقة بالوزارة أو كطرح الثقة بأحد أعضائها وهو أمر سبق التعديلات الأخيرة ، وكذلك إحالة الوزراء إلى المحاكم " الإدعاء عليهم " أو بطلب دورة نيابية ، وأنه لا ينعقد مجلس الأعيان إلا بانعقاد مجلس النواب ، ولكن هذه الأمور المقتصرة على النواب يواجهها الأعيان بأنه ليس شرطا حل مجلسهم إن تم حل مجلس النواب لأي سبب ، حيث إن المادة 66 من الدستور نصت على أن جلسات الأعيان " تتوقف " إن حل مجلس النواب ( وهو أمر جرى حوله لغط كبير ) ، فالأعيان يظلون أعيانا ، ومن أجل ذلك ، فإن أعيان المجلس السادس عشر هم الذين اشتركوا مع نواب المجلس السابع عشر في التشريع ، ولم يكن عددهم أصلا نصف عدد النواب ، بل كانوا أقل من 60 نائبا ، وهو الشرط الدستوري قبل تعديل الدستور وزيادة عدد النواب إلى 150 نائبا ، وأضيف : كان الأعيان أقل من 60 نائبا في مجلس أمة عدد نوابه 120 نائبا ، ( يعود ذلك لاستقالة عدد منهم ) ورغم ذلك ، فإن هذا العدد الذي هو أقل من نصف عدد مجلس النواب الحالي بأكثر من 15 عينا ، هو الذي اطلع بالمهام التشريعية ، بل هو الذي أوقف قوانين أقرها النواب من مثل " قانون الجنسية " - كمثال من أمثلة عدة - والذي لم يقر باجتماع المجلسين إلا بعد أن تم الأخذ برأي الأعيان مع أن عددهم أقل من النصف كما قلنا ، ولكن الحجة كانت أقوى ، فاقتنع النواب الذين خالفوهم بادئ الأمر ، فما بالكم والأعيان في تشكيلتهم الجديدة هم 75 عضوا ، أي نصف النواب ، وما يدريكم أن يكون عشرات منهم أعضاء في الحكومة في أي تعديل قادم أو في أي حكومة قادمة ، حيث لا يمنع الدستور ذلك ، بل إن الأعيان - الوزراء - يحق لهم تماما أن يصوتوا على أي مشروع قانون ، شأنهم شأن أي عين أو نائب ، ولو تمت الحسبة بهذه الطريقة " الدستورية " فإنه لا أحد سينتقص من دور الأعيان تشريعيا ورقابيا .
وللأعيان مهام كبيرة ، وصلاحيات واسعة ، شأنهم شأن النواب : لهم حرية طرح الأسئلة على الحكومة ، وطرح الإستجوابات سواء على رئيس الوزراء أم على أعضاء الوزارة ، ولهم أن يرفضوا أي مشروع قانون يعرض عليهم من مجلس النواب ، وهناك عشرات الأمثلة يعرفها المتخصصون والمتابعون .
في الحالة المذكورة ، أي في حال رفض الأعيان مشروع قانون وافق عليه النواب لمرتين ، فإن الجلسة المشتركة تكون حتمية ، ويتم التصويت هنا بأغلبية الثلثين وليس الأكثرية المطلقة ، ولكم أن تراقبوا ذلك في اجتماع الجلسة المشتركة والتي ستعقد في الدورة العادية الأولى القادمة ، حيث سيناقش المجلسان قانونين اختلفا عليهما وهما : قانون الكسب غير المشروع ، وقانون الضمان الإجتماعي .
ما بالكم أيضا لو كان رئيس الجلسة المشتركة هو رئيس مجلس الأعيان وليس رئيس مجلس النواب ، وهو أمر يفرضه الدستور ، ولكم أن تتصوروا شخصا مثل السيد الروابدة يترأس اجتماعا مشتركا للمجلسين ، وهنا ، لا خلاف على أنه سيحول مجرى النقاش ، وسيغير ويبدل قناعات عدد غير محدود من النواب بسهولة حول مشروع القانون المختلف عليه ، ذلك أن الروابدة بحر من العلم القانوني والتشريعي وهو ما لا يختلف عليه اثنان ، كما يراقب الأعيان الشؤون المالية والضرائب والموازنة وحقوق منح الإمتياز ( التعدين ) وغيره ، ومن حقهم تلقي شكاوى المواطنين ومظالمهم وغير ذلك من قضايا ، ولهم غير ذلك من الصلاحيات الدستورية التي لا يستهان بها .
أحببت في هذه العجالة أن أوضح لقارئي العزيز أن صلاحيات مجلس الأعيان واسعة وكبيرة ، رغم التعديلات الدستورية التي يعتقد كثيرون أنها حدت من صلاحياتهم ومكانتهم الرقابية والتشريعية ، ومن أجل ذلك ، فإن ترقب المواطنين لأسماء النواب فقط ، يعتبر لا مبالاة بأسماء الأعيان ، مع أن مجلس الأمة كالطائر ، لا يمكن أن يحلق بجناح واحد .
د.فطين البداد