من أجل حفنة من اللصوص في الأردن !
أعلن رسميا عن تخفيض طفيف في أسعار المشتقات النفطية في الأردن ، وهو أمر غريب ، ذلك أن الأردنيين لم يشهدوا انخفاضا لأي سلعة منذ بدأ الرفع المتصاعد شهريا لمشتقات النفط وأخواتها .
ارتفاع المشتقات النفطية ، يعني ارتفاع أسعار كل شيء ، وهي معادلة معروفة ، إلا أن خفض المشتقات لا ينعكس أبدا على أي شيء ، لا علبة الحليب ، ولا طبق البيض ، وهلمجرا .
ما سبق يشي بأن : " الطايح رايح " وفق مثل أردني مشهور ، ولكن : ما الذي يجعل الحكومات تأخذ بهذا المثل بحيث إنه لا تخفيض لأي سلعة في حال انخفض النفط ، بينما ترتفع كل السلع عندما يرتفع ؟ .
لا يجوز أن يكون المبرر هو تسعير اللجنة المعنية للمشتقات بحسب أسعار شهر فائت ، بغض النظر عن سعر النفط في الشهر الراهن ، وهو ما تقوم به الحكومة فعلا ! .
قلنا ذات مقال ، إن السوق الحر : ( العرض والطلب وتحرير الأسعار والمنافسة بدون احتكار ) وتوقيع الأردن على اتفاقياته ، حسم أمر مراقبة الأسواق لصالح هذه الأخيرة ، وبات المواطن الذي يرزح تحت اتفاقيات دولية وشروط صندوق النقد يقف وحيدا في مواجهة بعض أنواع الجشع الذي لا يشبع ، ولعل هذا هو ما حدا بالألمانييْن لودفيغ ايرهارت وألفريد اماك أواسط القرن الماضي إلى اجتراح ما يسمى اقتصاد السوق الإجتماعي ، بحيث يساهم المجتمع بالإنتاج وفق نسب معينة ويكون شريكا فيه بحصة محددة ، وها هي ألمانيا اليوم تتربع على قمة الأداء الإقتصادي الأوروبي ، وهذا واحد من الأسباب وليس اقتصاد السوق الإجتماعي جلها بالطبع .
ولكن : هل الدول الصغيرة ، والنامية قادرة على دخول تجربة هذا السوق ، ، والجواب معروف ، لكون هذا النوع من الإقتصاد يتطلب ثقافة مجتمعية راسخة وعلما وتطورا ومعرفة وإيمانا لا يتزعزع وإنتاجا بدون فساد ، وهو ما لا يتوفر لهذه الدول بالطبع ، الأمر الذي جعل هذه البلدان تقف عاجزة أمام حقائق تشير إلى إمكانية انهيارها اقتصاديا ، وقلنا أكثر من مرة : إن التحذيرات التي أطلقت ومن موقع المدينة نيوز بالذات بخصوص الإختيار بين استخراج البترول من الصخر الزيتي الأردني أو الوقوع في الهاوية ( شاهد فيديو الدكتور ممدوح سلامة على يوتيوب ) ، أو تعدين اليورانيوم المستكشف في الفوسفات ، أو استغلال وفرة النحاس في " ضانا " وخامات الذهب في وادي عربة ، وحقل الديسي في الصحراء ( تكثيف الزراعة ) وغير ذلك من موارد كبرى ، كل ذلك ، لم يلق آذانا صاغية ، ليس لأن الحكومات الأردنية لا تريد ذلك ، بل لأن هذه الحكومات لا تعرف كيف تفعل ذلك ، ولا من أين تدفع لتفعله ، فاستمراء " الطايح والرايح " بات أمرا مستحبا لكون الحكومات ومنذ تشكيلها تبدأ بعدّ أوراق روزنامتها يوما بيوم ، وشهرا بشهر ، فيتحول أداؤها من ساخن إلى فاتر ، ومنه إلى بارد ، ومنه إلى مجمد ، وتبيت لياليها الطوال على طريقة : " فخار يكسر بعضه " ! .
إلا أن رئيس الحكومة الحالي الدكتور عبد الله النسور قرر أن يكون صريحا فكان ، وجريئا ففعل ، وقد أعلن - بكل مرارة قبل أيام - : أنه وعندما تسلم رئاسة الحكومة لم يكن في الخزينة ما يكفي لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين : ( 4 مليار دينار ) وإنه تمكن من رفع الإحتياطي في البنك المركزي إلى عدة مليارات وهو إنجاز يجب أن يسجل للرجل، إذا أردنا ان نكون منصفين وعادلين ، ورئيس غيره قد يفعل ما فعل " بعض " سابقيه ، عندما وضعوا رؤوسهم مع الرؤوس ، وقالوا " يا سكين " .
يجب ان لا ينكر الغاضبون من رفع الأسعار التي قصمت الظهور ، وأهلكت الحرث والنسل ، أنه لا مناص أمام اي رئيس حكومة إلا رفع الأسعار ، وإذا ما تطرق أحد للمنحة الخليجية فليعلم هؤلاء : إنها منحة مشاريع ، لا منحة أموال ، وإن على الأردنيين أن يتكاتفوا معا لاجتياز هذه " المصيبة " التي تؤرق الحكومة والناس كل شهر ، وهي عجز الموازنات المتتالي .
قبل أيام حصل الأردن على قرض جديد بكفالة الولايات المتحدة قدره 25 ، 1 مليار دولار يسدد بعد سبع سنوات دفعة واحدة ، ما يعني أن المديونية الخارجية ستزيد بعدد دولارات هذا المبلغ ، وبحجم الفائدة التي تصل إلى 5 ، 2 % على حد علمي ، فهل يعتقدن أحد أن هذا القرض " العاجل " جاء لنفقات رأسمالية مثلا ، أم جاء لإنقاذ الموازنة ، ودفع الرواتب ؟؟ .
لم يعد الأمر خافيا على أحد ، وليس هناك من شعب أحرص على بلده من هذا الشعب العظيم الذي يعاني ضغطا اقتصاديا كبيرا ولا زال يهتف : " بالروح بالدم نفديك يا أردن " ..
الأردن أغلى منا جميعا ، وعلينا أن نقبض على الجمر ، ونكون بقدر هذا الحمل الوطني ، ولا بارك الله في الذين نهبونا في عز الظهيرة ، ولكن الحكيم من اتعظ بغيره ، ولا يجوز لنا - كأردنيين - أن ندمر بلدنا من أجل حفنة من اللصوص .
د.فطين البداد