من أجل حفنة من اللصوص في الأردن !

تم نشره الأحد 03rd تشرين الثّاني / نوفمبر 2013 12:06 صباحاً
من أجل حفنة من اللصوص في الأردن !
د.فطين البداد

أعلن رسميا عن تخفيض طفيف في أسعار المشتقات النفطية في الأردن ، وهو أمر غريب ، ذلك أن الأردنيين لم يشهدوا انخفاضا لأي سلعة منذ بدأ الرفع المتصاعد شهريا لمشتقات النفط وأخواتها .

ارتفاع المشتقات النفطية ، يعني ارتفاع أسعار كل شيء ، وهي معادلة معروفة ، إلا أن خفض المشتقات لا ينعكس أبدا على أي شيء ، لا علبة الحليب ، ولا طبق البيض ، وهلمجرا .

ما سبق يشي بأن : " الطايح رايح " وفق مثل أردني مشهور ، ولكن : ما الذي يجعل الحكومات تأخذ بهذا المثل بحيث إنه لا تخفيض لأي سلعة في حال انخفض النفط ، بينما ترتفع كل السلع عندما يرتفع ؟ .

لا يجوز أن يكون المبرر هو تسعير اللجنة المعنية للمشتقات بحسب أسعار شهر فائت ، بغض النظر عن سعر النفط في الشهر الراهن ، وهو ما تقوم به الحكومة فعلا ! .

قلنا ذات مقال ، إن السوق الحر : ( العرض والطلب وتحرير الأسعار والمنافسة بدون احتكار ) وتوقيع الأردن على اتفاقياته ، حسم أمر مراقبة الأسواق لصالح هذه الأخيرة ، وبات المواطن الذي يرزح تحت اتفاقيات دولية وشروط صندوق النقد يقف وحيدا في مواجهة بعض أنواع الجشع الذي لا يشبع ، ولعل هذا هو ما حدا بالألمانييْن لودفيغ ايرهارت وألفريد اماك أواسط القرن الماضي إلى اجتراح ما يسمى اقتصاد السوق الإجتماعي ، بحيث يساهم المجتمع بالإنتاج وفق نسب معينة ويكون شريكا فيه بحصة محددة ، وها هي ألمانيا اليوم تتربع على قمة الأداء الإقتصادي الأوروبي ، وهذا واحد من الأسباب وليس اقتصاد السوق الإجتماعي جلها بالطبع .

ولكن : هل الدول الصغيرة ، والنامية قادرة على دخول تجربة هذا السوق ، ، والجواب معروف ، لكون هذا النوع من الإقتصاد يتطلب ثقافة مجتمعية راسخة وعلما وتطورا ومعرفة وإيمانا لا يتزعزع وإنتاجا بدون فساد ، وهو ما لا يتوفر لهذه الدول بالطبع ، الأمر الذي جعل هذه البلدان تقف عاجزة أمام حقائق تشير إلى إمكانية انهيارها اقتصاديا ، وقلنا أكثر من مرة : إن التحذيرات التي أطلقت ومن موقع المدينة نيوز بالذات بخصوص الإختيار بين استخراج البترول من الصخر الزيتي الأردني أو الوقوع في الهاوية ( شاهد فيديو الدكتور ممدوح سلامة على يوتيوب ) ، أو تعدين اليورانيوم المستكشف في الفوسفات ، أو استغلال وفرة النحاس في " ضانا " وخامات الذهب في وادي عربة ، وحقل الديسي في الصحراء ( تكثيف الزراعة ) وغير ذلك من موارد كبرى ، كل ذلك ، لم يلق آذانا صاغية ، ليس لأن الحكومات الأردنية لا تريد ذلك ، بل لأن هذه الحكومات لا تعرف كيف تفعل ذلك ، ولا من أين تدفع لتفعله ، فاستمراء " الطايح والرايح " بات أمرا مستحبا لكون الحكومات ومنذ تشكيلها تبدأ بعدّ أوراق روزنامتها يوما بيوم ، وشهرا بشهر ، فيتحول أداؤها من ساخن إلى فاتر ، ومنه إلى بارد ، ومنه إلى مجمد ، وتبيت لياليها الطوال على طريقة : " فخار يكسر بعضه " ! .

إلا أن رئيس الحكومة الحالي الدكتور عبد الله النسور قرر أن يكون صريحا فكان ، وجريئا ففعل ، وقد أعلن - بكل مرارة قبل أيام - : أنه وعندما تسلم رئاسة الحكومة لم يكن في الخزينة ما يكفي لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين : ( 4 مليار دينار ) وإنه تمكن من رفع الإحتياطي في البنك المركزي إلى عدة مليارات وهو إنجاز يجب أن يسجل للرجل، إذا أردنا ان نكون منصفين وعادلين ، ورئيس غيره قد يفعل ما فعل " بعض " سابقيه ، عندما وضعوا رؤوسهم مع الرؤوس ، وقالوا " يا سكين " .

يجب ان لا ينكر الغاضبون من رفع الأسعار التي قصمت الظهور ، وأهلكت الحرث والنسل ، أنه لا مناص أمام اي رئيس حكومة إلا رفع الأسعار ، وإذا ما تطرق أحد للمنحة الخليجية فليعلم هؤلاء : إنها منحة مشاريع ، لا منحة أموال ، وإن على الأردنيين أن يتكاتفوا معا لاجتياز هذه " المصيبة " التي تؤرق الحكومة والناس كل شهر ، وهي عجز الموازنات المتتالي .

قبل أيام حصل الأردن على قرض جديد بكفالة الولايات المتحدة قدره 25 ، 1 مليار دولار يسدد بعد سبع سنوات دفعة واحدة ، ما يعني أن المديونية الخارجية ستزيد بعدد دولارات هذا المبلغ ، وبحجم الفائدة التي تصل إلى 5 ، 2 % على حد علمي ، فهل يعتقدن أحد أن هذا القرض " العاجل " جاء لنفقات رأسمالية مثلا ، أم جاء لإنقاذ الموازنة ، ودفع الرواتب ؟؟ .

لم يعد الأمر خافيا على أحد ، وليس هناك من شعب أحرص على بلده من هذا الشعب العظيم الذي يعاني ضغطا اقتصاديا كبيرا ولا زال يهتف : " بالروح بالدم نفديك يا أردن " ..

الأردن أغلى منا جميعا ، وعلينا أن نقبض على الجمر ، ونكون بقدر هذا الحمل الوطني ، ولا بارك الله في الذين نهبونا في عز الظهيرة ، ولكن الحكيم من اتعظ بغيره ، ولا يجوز لنا - كأردنيين - أن ندمر بلدنا من أجل حفنة من اللصوص .

د.فطين البداد

 fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات