ماذا سينهب المستثمرون من الأردن ؟

تم نشره الأحد 10 تشرين الثّاني / نوفمبر 2013 12:07 صباحاً
ماذا سينهب المستثمرون من الأردن ؟
د.فطين البداد

يعلم الدكتور عبد الله النسور ، قبل غيره ، أن قرارات رفع الأسعار التي اتخذها كانت اضطرارية وإجبارية ولا مفر منها ، وبرغم ذلك فإنها - بميزان العقل - لم تكن سوى عمليات " تخدير " سرعان ما يفيق منها الإقتصاد ، وبالأحرى الموازنة لتعود سيرتها الأولى .

اتخذ النسور قرارات جريئة يغبن جرأته عليها كثير من المسؤولين الذين يفضلون دفن الرؤوس في الرمال ، ولقد كان يمهد لأي قرار رفع بكولسات ولقاءات " مغلقة " مع سلطات أخرى ، بعيدا عن أعين الصحفيين والمتطفلين ، وإني لأعلم أن قرارات رفع الأسعار على المواطنين كانت – بالنسبة إليه – تحصيل حاصل ، فإذا كان السيد عبد الكريم الكباريتي رفع الأسعار وألصق بها ما يحفظه الأردنيون عن ظهر قلب ، وهي متلازمة " الدفع قبل الرفع " فإن النسور عكسها وبات الرفع أولا ، هذا إن كان هناك سيولة للدفع أصلا ، سواء بالمخابز التي أعدوا لها " بطاقة ذكية " تعطى لكل من يشمله تحرير سعر الخبز ( طلب رسمي من صندوق النقد الدولي والله أعلم ) أو بالبديل النقدي ذاته ( 19 دينارا سنويا ) وهو طرح تم الأخذ به بديلا عن البطاقة عقب رفض نقابة أصحاب المخابز أي حديث عنه مهددة بالإضراب والتوقف عن الإنتاج .

أسأل دولة الرئيس : حسنا ، إلى متى سيستمر هذا الرفع ، وذلك الدفع ، وهل سيستطيع الأردنيون الإستمرار بهذه الطريقة ؟ ..

قد يقال : إنه أمر طارئ و" تسليك " حال ، إلى أن تبدأ المنحة الخليجية تؤتي أكلها ، ولكن : من يطمئننا أن المنحة الخليجية ، تسير - أردنيا - في الطريق الصحيح ، ومن سيضمن أن لا يقر قانون موازنة العام القادم ثلاث مرات وليس مرتين كما حدث مع قانون موازنة عام 2013 ، ذلك الذي كانت أسبابه الموجبة مضحكة بحق : عندما اكتشفت الحكومة أن الموازنة التي اقرها النواب لا تستطيع تنفيذها لأن وزاراتها لم تضع الخطط اللازمة لتنفيذ مشاريعها ، فتم ترحيل مخصصات من مشاريع إلى أخرى ومن وزارة إلى أختها وكأننا نبيع " بندورة " .

بالمناسبة : كيلو البندورة وصل إلى دينار قبل أيام .

لقد دافع دولة الرئيس عن تعديل قانون الموازنة شخصيا وعن المناقلات التي جرت عليه ، وتبين أن المشاريع الإستراتيجية لم تدرج لا بوزارة الطاقة ولا بوزارة النقل ، ورحلت مبالغها لوزارات أخرى بسبب هذا التخبط في التخطيط ، ولقد فصلنا ذلك تفصيلا في مقال سابق بعنوان : " خبايا غير منشورة عن مناقلات في موازنة 2013 " .. وعليه : فإن الأزمة التي يعيشها المواطن ، والتي هو مجبر على حلها " آنياً " من قوت عياله وحليب أطفاله ليس هو المسؤول عنها ، بقدر ما هي السلطات التنفيذية المتعاقبة ، والتي ورطت الشعب ، بل وورطت حكومة النسور ذاتها بتلكؤها وتفضيلها الحلول الجاهزة ، حتى وجد النسور - بعد تكليفه - بأنه لا رواتب يدفعها للموظفين والمتقاعدين فعمد إلى سياسة ممنهجة في رفع الأسعار ، وآخر صيحاتها رفع الدعم عن الخبز ، لكون سعر طن الخبز المدعوم وصل إلى 40 دينارا ، بينما وصل سعره في السوق الحر إلى حوالي 385 دينارا وتشتريه الحكومة بسعر 345 دينارا تقريبا ، وهو سبب " وجيه " ليتنبه إليه صندوق النقد كما اشرنا .

يدرك ذوو الرأي الثاقب من اقتصاديين وسياسيين : أن الحل الوحيد لمشكلة البلد الإقتصادية ليس المنحة الخليجية فقط والتي ستساهم - بلا شك - في تحريك العجلة المتوقفة ، ولكنه الإستثمار ، وما أدراك ما الإستثمار ..

كل دول الأرض بدلت وغيرت مفاهيمها وقناعاتها وعمدت إلى سن قوانين محفزة للإستثمار ، بما في ذلك الدول الثرية ، بل وأيضا فائقة الثراء ، ولم يعد هناك من بلد في العالم غير مقتنع بحتميته ، أللهم سوى بعض البلدان من تلك التي ليست على الخريط العالمية الفاعلة كشريك في التنمية الإنسانية الشاملة ، فما الذي ينقصنا هنا في الأردن ؟؟ .

قد يقال : إننا وضعنا التشريعات اللازمة للإستثمار ، وأسسنا المناطق الحرة ، والهيئات المستقلة من أجل تحفيزه والإنطلاق به ، ولكن : ماذا كانت النتيجة ؟؟ .

كانت عكسية للأسف : لأن التشريعات ليست قوانين ومجلدات تخرج من ديوان التشريع إلى الحكومة ، ومنها إلى مجلس الأمة ومنه إلى الديوان الملكي للتوقيع ، ومن ثم تعود إلى الحكومة ومنها إلى الجريدة الرسمية ، بل هي عقلية متفتحة مؤمنة لا تضع ألغاما خفية في أرضية القوانين الإستثمارية ، ولا تجعل المستثمر ينكفئ قبل نهاية المشروع ويولي هاربا ، ( هناك عشرات الأمثلة ) وعلى أي حكومة أن تؤمن بأنه لا مكان في هذا الزمان للعزلة والإنعزال ، ولا مجال أبدا إلا أن تلج البلد بوابة العصرنة والإنفتاح ، لأن أي مصنع يقام سيقام في الأردن ، وأي فندق يبنى سيبنى في المملكة ، وأي سوق يعلن عنه سيكون أردنيا وينسب إلى الأردن ويفيد الأردن ، وعلى المواطن أن يعي بأنه ليس بإمكان أي مستثمر أيا كان حجمه ، فردا أم شركة عالمية ، اقتطاع ما استثمره في الأردن كما تقتطع قطعة " البيتزا " ، فالأرض ستظل هي الأرض : تشترى وتباع ولكن بيعها لا يعني أنها ستنقل من أرض الأردن إلى الفضاء وتصبح تدور كالنيزك ، بل ستظل في الأردن وللأردن ، ولا يجوز بأي حال أن يعتبر كل مستثمر غازيا ، ولا كل متطلع للإستثمار متربصا ، ولنا في بلدان العالم المتحضر أسوة حسنة ، وإلا فإن انطباع المستثمرين عن الأردن والأردنيين سيظل سلبيا ، وهذا يعني أن نفقد موارد ضخمة لصالح بلدان أخرى ، مع أننا نشحد الملح .

على الحكومة أن تشرع بخلق فرص استثمارية حقيقية وإقناع المستثمرين بالأردن على أنه بلد الإستثمار والفرص ، وعليها القيام بحملات تنويرية شعبية وبين صفوف الموظفين العامين الذين هم على تماس مع الإستثمار وتشرح للجميع ما معنى أن يأتي مستثمر هنا ، وعليها أن تكاشف الناس وتعترف لهم أنها لا تقوى على الذهاب بالبلد إلى بر النجاة بدون الإستثمار ، واستغلال موارد البلد الطبيعية ، وهي موارد ضخمة نحسد عليها ، ولكننا تركناها حسرة في القلوب ، وندبة في الهمة والعزيمة ، والوصول إلى هذه الغاية لا يتأتى إلا إذا آمنت الحكومة - هي نفسها - بالإستثمار ، وتصرفت حياله بكامل قناعتها ، وعلى الحكومة ، أي حكومة ، أن تعلم أن المستثمرين لم يأتوا إلى الأردن لينهبوه ، لأن السؤال الذي سيطل برأسه هنا : " ينهبون ماذا ، وهل أبقى الحرامية شيئا قابلا للنهب في الأردن " ؟؟ .

د.فطين البداد

 fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات