عن النسور والمنحة الخليجية والإستشارات

تم نشره الأحد 17 تشرين الثّاني / نوفمبر 2013 12:19 صباحاً
عن النسور والمنحة الخليجية والإستشارات
د.فطين البداد

لأنني لم يسبق لي أن تدخلت في سياسة التحرير التي ينتهجها الصديق رئيس التحرير وزملاؤه في أسرة تحرير المدينة نيوز ، منذ أن قطعت على نفسي عهدا أن يكون التحرير مستقلا عن الإدارة ، وهي سياسة تعتمدها كبريات دور النشر والصحافة العالمية المعروفة ، فإنني – ككاتب وليس كناشر ورئيس لمجلس الإدارة – أتمنى أن يجد مقالي هذا طريقه للنشر وأن لا يتم مصادرته من قبل التحرير المستنفر دائما :

لعل من نافلة القول : أن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور ، الذي سبق واختار المدينة نيوز لتوجيه أكثر من رسالة للرأي العام بالفيديو قبل تكليفه بتشكيل الحكومة ، يعتبر من رؤساء الحكومات الذين سيكتب التاريخ : أنهم لم يسبق أن تقدموا " شخصيا " بأي شكوى ضد أي وسيلة إعلام ، وأقصد هنا توجهه للقضاء ، بل إنه هو نفسه أقسم أن لا يفعل ذلك ، أيا كان التقرير الذي ينشر ضده ، أو الكاريكاتير الذي يشخصه ، وهو يذكر هنا برئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبد السلام المجالي الذي أخبرني أحد الناشرين ، أنه كان إذا لم يجد نقدا ضده في وسيلة الإعلام المعنية يتصل برئيس تحريرها غاضبا مستفسرا : هل ضايقكم أحد ، هل اتصلت بكم جهة ما ، وعندما يخبره الناشر المذكور بـ " لا " يسأل : ( لعاد مالكو وين الكاريكاتير .. ليش مجوبنين) وكثيرا ما رسمه – كما قيل لي - نفس رسام المدينة نيوز الآن قبل عشرين عاما إما خالعا إزاره ، أو عاريا في بركة ، بعكس رؤساء حكومات جاؤوا بعده كانوا يعدون على الصحفيين أنفاسهم قبل حروفهم ، توطئة لـ " جرجرتهم " إلى المحاكم بشكاوى كيدية ، وأحقاد شخصية .

وإذا ما أحصينا حجم الهجوم والتهجم الشخصي وغير الشخصي الذي تعرض له النسور بسبب رفع الأسعار لتيقن الملاحظ أنه ما من أحد يتحمل ما يقال عنه عبر صفحات الفيس بوك ولا البرامج التلفزيونية ولا الرسم ولا البرامج الإذاعية وغيرها ، ثم يخرج إلى الرأي العام هادئا يتحدث بثقة ، وبدون غل من أحد أو على أحد .

ويعلم قليلون أنه لو جيئ بـ " طرزان " نفسه ، فإنه لا يمكنه فعل شيئ أو حتى تسليم رواتب الموظفين إلا إذا اقترض ورفع الأسعار وألبس " طاقية " هذا لذاك ، واقترض من هذه ليسدد تلك ، ولقد آن الأوان لأن ندرك جميعا حجم الضائقة التي دفعتنا للجوء إلى صندوق النقد والإقتراض مرة تلو المرة ، والدخول في برامج تصحيح جديدة غير معلنة ، فمن لا يرى الواقع أعمى :

أين هي " ماكينة " الإنتاج التي تحرك البلد والناس ، أين هي الموارد التي يتم استغلالها ، وهي كثيرة ومتعددة ومتنوعة ، أين هو المفتاح السحري ومصباح علاء الدين وكلمة السر التي تفتح مغائر الكنوز الدفينة ، وتخترق القلاع الحصينة ؟؟ .

وبرغم ما قلناه ، فإن على النسور واجبا لا أظن أنه أحسن استغلاله البتة ، وهو حماس المستثمرين وتثبيط المثبطين ، فكم من موظف عام كان سببا في ترحيل الملايين من الأردن إلى الخارج ، وكم من مسؤول اعتبر كل مستثمر شيطانا يجب رجمه ، وإن على رئيس الحكومة ، إن أراد أن يكون من الخالدين ، أن لا يسمح لأي مسؤول ، أيا كان اسمه وصفته ، أن يضرب الإستثمار من خلال وضع عراقيل " غبية " في طريق تحصيل البلد للعملة الصعبة التي هي بأمس الحاجة إليها ، كما وإن عليه أن يستمع شخصيا لكل من يرغب في القدوم للبلد والعمل فيها من كبار المستثمرين العرب وغير العرب ، وأن يعدل الأنظمة والقوانين الجامدة إن تطلب الأمر بطريقة شرعية وتشريعية ، فليس من الحكمة وحسن الإدارة والتدبير أن نقف عند نصوص جامدة من شأن تعديلها ضخ مليارات للأردن ، من الداخل والخارج ، كما وإن عليه أن لا يثق بأصحاب الأجندة الشخصية الذين يقيسون نجاعة الإستثمار بما يجنونه من تحت الطاولة .

في البلد خيرون ووطنيون ، وفيها - كما سبق وقلت - من ينشد صباح مساء : " إذا مت ظمآنا فلا نزل القطرُ " ! .

فإذا كانت المشاريع المنوي إنجازها بعد أن " تأمنـت " أموالها من المنحة الخليجية مع أشخاص ليسوا من ذوي الإختصاص ، فإن عليها السلام ، ذلك أن استشارة من يشتبه بجهلهم في أكثر من محور من محاور القروض أو المنح يعد أمرا غاية في الغرابة ، ويستنكره الجهلاء قبل العقلاء .

من حق الحكومات أن تتصرف وفق ولايتها العامة في القضايا التي هي مسؤولة عنها ، ولكن ليس من حق أحد أن يسأل مؤسسات وجهات حكومية أو شبه حكومية : ماذا سيفعل أو ستفعل بالمنحة أو القرض ، طالما أننا نتحدث عن دولة تبحث عن تصحيح مسارها الإقتصادي ، بعيدا عن مقولة : " جبر الخواطر " .

لقد بلغني أن الحكومة تستشير مؤسسات حكومية وشبه حكومية بما يمكن فعله مع المنح ، وإذا أخذنا الخليجية منها والموزعة على مشاريع بعينها والبالغة حوالي خمسة مليارات على خمس سنوات ، وإذا استبعدنا المبالغ التي خصصت لدعم الموازنة ، فإننا نجد أن الـ 115 مشروعا والتي خصص لها مبلغ 595 ، 2 مليار دولار حسم أمرها على الورق ، أما أن يتم تطبيق نظام الأشغال الحكومية رقم " 71 " وتعديلاته ، ونظام اللوازم رقم " 32 " وتعديلاته ، فإن اتخاذ الإجراءات اللازمة لطرح العطاءات وإحالتها يصطدم بشروط وتعليمات اتفاقيات التمويل ، وهذا موضوع آخر قد أتطرق إليه في مقال قادم .

فإذا أخذنا القطاع الصحي مثالا ، فإن معلوماتي تقول : إن مشاريع الصحة الواردة منحتها في الموازنة العامة بلغت 71 ، 257 مليون دولار ، وهي ممولة من السعودية والكويت وأبو ظبي ، غير أننا لو تفحصنا المشاريع الجديدة الممولة من الجهات المذكورة وغير المدرجة ضمن مشاريع الموازنة ، فإننا لن نجد سوى مشروعين اثنين فقط هما :

1 - : إعادة تأهيل مستشفى الملكة علياء بتمويل سعودي وبقيمة 20 ، 14 مليون دولار .

2 - : تجهيز مركز العلاج بالخلايا الجذعية ، بتمويل سعودي أيضا وبقيمة 20 ، 14 مليون دولار كذلك .

ونستنتج من ذلك ، أن المنحة الخليجية للقطاع الصحي - الذي ضربناه مثالا للتقريب - ذهبت بستين داهية ، ولم يبق منها سوى تأهيل مستشفى ، وإنشاء مركز خلايا جذعية ، وكأننا في السويد .

ما سبق ، وهو مثال على مختلف القطاعات ، يؤكد أننا ما فرحنا بالمنحة إلا لكونها غطت عجوزات في الموازنة في النفقات الرأسمالية !.

وأيا كان الأمر ، فإننا إذا أردنا مناقشة قطاع الخدمات – مثلا – فلا يجوز لنا أن نستشير من دمر هذا القطاع ، وإذا أردنا أن نناقش القطاع الصحي ، فبالضرورة ، يجب استبعاد من جعل من هذا الأمر تجارة لا تبور .

ولكي لا تذهب المنحة مع الريح ، استشيروا من هم أهل للمشورة والنصيحة العلمية والحصيفة ، وحذار ، حذار – مثلا – أن تناقشوا قِطاع الطُرق ، مع " قُطاع الطرقْ " .

د.فطين البداد

 fateen@jbcgroup.tv

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات