ماذا فعل بنا منتخب النشامى ؟
إذا كان لا بد لي من وقفة في هذا المقال ، فإنها مع " النشامى " الذين كسروا حاجز الإرتباك ، وأثبتوا للعالم أن الاردني قادر على الفعل إن أراد .
كانت الرهانات تترى في الأردن وخارجه ، بعد أن ذاق المنتخب وبال الهزيمة المُرة على الأرض الأردنية ، وتعددت الرهانات : منهم من قال : سنهزم بخمسة أهداف نظيفة ، ومنهم من قال : سبعة ، وبعضهم تشاءم أكثر ، خاصة وأننا سنلعب مع الفريق المصنف خامسا أو سادسا على العالم وبين جمهور مباشر تعدى الـ 75 ألفا ، ناهيك عن ملايين المشاهدين عبر الشاشات والأقمار .
لقد وضعنا أيدينا على قلوبنا ، وكانت الدقائق تمر ثقيلة بطيئة : كنا نتمنى أن يحث الوقت خطاه ويطلق الحكم صافرة النهاية ، ولكن النشامى كانوا " قدها " وصمدوا طوال شوطين وبادروا بالهجوم في أكثر من موقف .
لقد كان فريقا عنيدا رفع ضغط جماهير الأروغواي قبل منتخبها ، واستمر العناد الأردني الصارم ، إلى أن انتهت المباراة بتعادلها السلبي ، وهي نتيجة مقبولة قياسا بالتوقعات والإمكانيات وتاريخ الإنجازات .
بماذا تنبئنا نتيجة المباراة .. ؟
هذا سؤال كبير ، يحاكي كبرياء هذا البلد الذي قشعرت جلودنا لرفرفة رايته بين مدرجات منافسة حول المستطيل الأخضر : ذلك العلم الأردني الخفاق الذي ارتفع بقامته الباسقة ، منذ البداية إلى النهاية ، يعكس تفاؤل الأردنيين وكبرياءهم ، وعزيمتهم التي لا تلين .
تنبئنا المباراة " الرياضية " أننا قادرون على خوض مباريات أخرى أكثر أهمية .
بإمكاننا خوض غمار التنافس – عالميا أيضا – على أكثر من جبهة ، وفي مختلف الحقول :
من قال : إن مديونيتنا لا يمكن ردمها إن أحسنا استثمار عقولنا ، وذلك لا يتأتى إلا إذا انتهجنا خروجا محسوبا من سرداب الشعور بالعجز ، إلى فضاء الفرص والخلق والإبداع والقدرة .
من قال : إن سياحتنا العلاجية التي تدر أكثر من مليار سنويا ليس بالإمكان مضاعفتها لمرات إن تبنينا ترويجا علميا لها يشمل أنحاء الأرض ، ولا يكون مقتصرا على المرضى العرب ؟؟ .
من قال : إن سياحتنا الدينية لا يمكن مضاعفة مواردها ، خاصة وأن البابا نفسه زار مغطس المسيح عليه السلام وأثبته في الأرض الأردنية ، وأنه ليس بإمكاننا استثمار مراقد الصحابة في البلقاء وفي الأغوار ومواقع المعارك التاريخية في اليرموك ومؤتة وغيرهما من أجل جمع حصاد ضائع منذ عقود وغير مكتشف ؟ .
من قال : إن سياحتنا " العادية " تتوقف عند إعلان " البتراء " كإحدى عجائب الدنيا المعاصرة ، وأسأل هنا : ماذا جنينا من هذا الإعلان وهذا التصنيف غير التطبيل و التزمير الذي لا يطعم خبزا ولا يعالج مريضا ولا يدرس طالبا ؟ .
من قال : إن صخرنا الزيتي الذي نحار فيه وحيرنا به الشركات العالمية ليس بوسعه أن يغنينا عن الغاز المصري و" تسول " الطاقة من هنا وهناك ؟ .
من قال : إننا لا نستطيع أن ننشئ مناجم لليورانيوم الذي ينتشر في الفوسفات الأردني ، وعلى الأرض الأردنية في الجنوب والوسط والشرق ، ونصبح وجهة جاذبة لكبريات الشركات العالمية المختصة بهذا النوع من الإستثمار ؟ .
من قال : إن مواردنا المائية التي ستكفينا لمئات السنوات ، ( بعكس ما يروج البعض ) ليس بمقدورها أن تجعل من صحرائنا واحات وجنات وغلالا وثمارا ؟ .
من قال : إن موقعنا الجغرافي الفريد ( الذي استغلته إسرائيل أفضل استغلال في الأغوار ) ليس بإمكانه أن يورد للعالم منتوجات الشتاء في الصيف ، ومنتوجات الصيف في الشتاء ، بدون " تصنيع " أو " تشميع " ؟ .
والأهم من كل ذلك : من هو هذا الذي يزعم : أن إنساننا الأردني ليس بالإمكان إعادة برمجة أولوياته من خلال أسس تعليمية معاصرة ، ومناهج قويمة ، تجعل من خريج الجامعة شخصا مثقفا وليس " أميّا " لا يحسن قراءة صحيفة ، ولا يعرف في أي قارة يقع الأردن ؟ .
كثيرة هي الأسئلة " الوطنية " التي فجرها النشامى ، وما أوردناه قطرة من شتاء ، ولكن الإجابات قليلة للأسف .
فيا أيها الأرنيون : حكومة وشعبا ووطنا :
تعالوا نتعلم من المنتخب !.
د.فطين البداد