من حق رئيس الحكومة أن يحلم بـ " الجنة "

تم نشره الأحد 01st كانون الأوّل / ديسمبر 2013 12:31 صباحاً
من حق رئيس الحكومة أن يحلم بـ " الجنة "
د.فطين البداد

إذا كان ما يتم إنفاقه من قبل الأفراد على متطلبات الحياة الروتينية يعد إنفاقا جاريا تفترضه طبيعة الأشياء ، فإن الأمر لا يختلف عند الحكومات التي تعتمد هذا الإنفاق لنفس السبب ، وقس على ذلك النفقات الرأسمالية " الحكومية " التي هي أساس التنمية ، ولكن شريطة أن يصب هذا الإنفاق في صالح الأولويات ، من مثل : إنشاء مصانع ومعامل وشركات ومرافق مستدامة توفر فرص عمل للعاطلين وتنعش الإقتصاد الوطني .

لقد أنفقت الحكومة الأردنية خلال العام 2013 أكثر من مليار دينار على النفقات الرأسمالية ، تم توزيعها على عدة محاور ، ويبدو أن مشاريع بعينها سيتم الإنفاق عليها من المنحة الخليجية خلال العام القادم ، وقلنا سابقا : إن تلك المنحة أودعت أموالها في البنك المركزي باسم الجهات المانحة ، ويتم الإنفاق منها بفواتير ، وتحت رقابة الصناديق الخليجية المعنية ، وقد بشر رئيس الحكومة مساء الجمعة بانخفاض التضخم نقطة مئوية العام القادم ، مع أنه بالإمكان أن ينخفض لنقطتين . ولكن : كيف ؟ ...

لقد فصلت في مقال سابق المنحة الخليجية وبعض مشاريعها ، فما هو الوضع يا ترى لو أن الدولة استجلبت استثمارات حجمها ضعف المنحة الخليجية وفي عام واحد ، بدل خمس سنوات ، هي سنوات المنحة ؟؟ .

إن الإقتصاديين يعلمون ببواطن الأمور ، ويدركون بأنه لا استثمار حقيقيا بدون قوانين جاذبة ، ولا قوانين جاذبة بدون نزاهة ، وبدون موظفين جذابين وطنيين تعنيهم مصلحة البلد ، ويؤلمهم أن يغادر مستثمر بأمواله إلى بلدان أخرى ، ولو أننا استعرضنا قوانين الإستثمار الأردنية لوجدنا ديباجة من الإغراءات التي لا يطبقها لا مسؤول ولا هيئة ولا مؤسسة ولا ما يحزنون إلا من رحم ربي ، وقد أضرب أمثلة بالوثائق في يوم ما ، ولكن ما يلفت الإنتباه هو أن يأتي البعض للإستثمار في مناطق تابعة لمؤسسات وهيئات وشركات شبه حكومية مدينة ، وبدلا من أن يتم تشجيعهم يتم تطفيشهم بغباء ما بعده غباء ، وكأن " بعض " القائمين على هذه الهيئات أو الشركات أو المؤسسات يديرون أملاك آبائهم وأجدادهم ، أما أن يستفيد الأردن وأبناؤه وتوفر للعاطلين فرص عمل بالمئات وبالآلاف فإن هذا لا يعنيهم لأنهم لا يرون أبعد من مصالح جيوبهم ، وأنانيتهم ، وأنا هنا لا أعني أشخاصا بقدر ما أضرب أمثلة للتقريب وللفهم .

إن ما ينفق على المؤسسات المستقلة يصل إلى أكثر من مليار دينار سنويا ، وإذا استبعدنا المؤسسات والشركات والهيئات التي لا غنى عنها ، فإن ما يتبقى يصل إلى مئات الملايين أيضا ، وما يثير الإعجاب أن حكومة النسور بعثت بمشروع قانون إعادة هيكلة مؤسسات ودوائر حكومية للعام 2013 إلى مجلس الأمة ، فهل خرج من قنواته الدستورية أم لا زال حبيس دهاليزها وعتمتها ؟ .

هناك 64 مؤسسة مستقلة ، ويرغب رئيس الحكومة في إلغاء أو دمج 18 منها في المرحلة الأولى ، وبعث ديوان التشريع بالقانون إلى الحكومة ومنها إلى النواب فماذا جرى ؟ .

لقد دب القائمون على هذه المؤسسات الصوت ، وبدأوا يعتصمون في أماكنهم وفي الشوارع مطالبين بعدم الإلغاء أو الدمج ، والسبب معروف ، ولا زال القانون يتأرجح بين الأعيان وبين النواب ، ولكم أن تتخيلوا نفقات هذه الهيئات وحمولتها الزائدة يوميا ، من سيارات وبنايات ومكاتب وهواتف وأجور وغيرها ، وبات المرء يعتقد أن قانون إعادة الهيكلة هذا غير مقدور عليه ، ذلك لأنه أصبح للمؤسسات والهيئات المستقلة ظهور تحميها ، وأركان مَكينة تُؤويها ؟؟ .

إن ما جعلني أعرج مرة أخرى على هذه المؤسسات ( كتبت مقالا سابقا عنها ) هو أن قوانين الإستثمار تتبع لها ، وإذا عرف السبب ، بطل العجب ، فإذا كانت الحكومة غير قادرة على تفعيل برنامجها وتنفيذه بخصوص هذه الهيئات ( المشرفة على الإستثمار ) فكيف سيكون عليه الأمر بالنسبة للمستثمرين الذين هم مضطرون للتعامل مع هذه الهيئات وهذه المؤسسات ، في الوقت الذي تعتبر فيه كل مؤسسة جزيرة معزولة : لكل منها قانونها الخاصة ، وهو ما يذكر بقوانين الجامعات الحكومية التي جعلتها في معزل عن الحكومة ماليا وإداريا من حيث النفقات والإيرادات ، مع أن الحكومة هي التي تمولها ، وتدفع ديونها .

إن ترتيب بيت الإستثمار الداخلي هو وحده الكفيل بأن تجلب الحكومة ضعف المنحة الخليجية في عام واحد وليس في خمس سنوات ، وإن على مجلس الأمة ، أعيانا ونوابا ، أن يعينوا هذه الحكومة على إزالة هذه الندبة الشنيعة من وجه الإستثمار الذي قد يأفل كما تأفل الشمس ويغيب من سمائنا إلى الأبد ، وحينها يصبح حلم رئيس الحكومة بالنقاط المئوية والإنتعاش كحلم إبليس في الجنة .

د.فطين البداد

 fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات