إيرادات ونفقات الوحدات المستقلة في موازنة 2014
إذا كنا قد أسهبنا مطولا في الحديث عن النفقات الرأسمالية والجارية في عدة مقالات ، فلأن الأمر مهم وساخن ، بل هو الأسخن في بلد يرزح تحت الديون والبطالة .
والسبب الآخر الذي حفزني لإعادة الكتابة عن المال والموازنات هنا ، هو انتهاء الحكومة من إعداد موازنة 2014 ، وتسلم مجلس الأمة نسخة منها ، ليبدأ بعد حين قصير ماراثون النقاش الممل الذي لا يفقه بأرقامه المطلسمة مواطن يبحث عن قوته ، ليس لأن المواطن الأردني لا يعرف بالمال والأعمال ، بل لأن علم الإقتصاد أصعب من علم الذرة بكثير ، وهو ما يتفق عليه اقتصاديون وغير اقتصاديين .
ولأنني لست بصدد نقاش موازنة 2014 ، والبالغ عجزها وفق المادة الثانية من مشروع قانونها مبلغ : 000،377 ، 114 ، 1 مليار دينار من أصل إيرادات تقدر بـ : 000،982 ، 6 مليار دينار . ونفقات قدرها : 000،377 ، 096 ، 8 مليار دينار ، إلا أنني سأمر سريعا على بعض الملاحظات في مشروع قانون موازنات الوحدات المستقلة لسنة 2014 ، تاركا مشروع قانون الموازنة نفسه إلى مناسبة أخرى قد أعود إليها في مقالة لاحقة :
يجدر التذكير بأن مصادر التمويل الحكومية ، والتي أدرجناها تحت بند " الإيرادات " سيتم إنفاقها في تغطية العجز ، وإطفاء بعض الدين الداخلي وسندات ديون للبنك المركزي وتسديد أقساط الديون الداخلية والخارجية : أي أن " الطايح رايح " كما يقول المثل الشعبي ، وفي ظل مديونية عالية فإنه من العجب العجاب أن يكون عجز الموازنة للعام 2014 هو 000،377 ، 114 ، 1 مليار دينار ، في نفس الوقت الذي يصل فيه مجموع عجز الوحدات الحكومية المستقلة ( قبل التمويل الحكومي ) إلى : 000، 977 ، 258 ، 1 مليار دينار ؟ ويصل مجموع نفقاتها المقدرة لسنة 2014 مبلغ : 000 ، 321 ، 829 ، 1 مليار دينار !! .
أي بلد في العالم يفعل هذا ؟ .
لقد شكا رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور مؤخرا وعلى الملأ ، من أنه ينتظر حسم مجلس الأمة لموقفه من القانون الذي يتعاطى مع دمج وإلغاء بعض المؤسسات والهيئات التي تم تحديدها ، ولكن النواب أبطلوا مشروع القانون في جانب ، وأبطله الأعيان في جانب ، في انتظار الجلسة المشتركة .
لا بد لأعضاء مجلس الأمة أن يعوا بأن مبلغ المليار والربع الذي سجل عجزا على الوحدات المستقلة بالإمكان تخفيضه بأرقام خيالية إن ألغينا الهيئات التي هي لا للشدة ولا لعثرات الزمان كما يقال ، أو دمجنا المتشابه منها فورا ، في نفس الوقت الذي ندعم فيه هيئات تستحق الدعم إذا تبين لنا أنها ستأتينا بأضعاف ما ننفق عليها .
لقد تبين لي وأنا أتصفح مشروع القانون ، أن جامعة واحدة بإمكانها أن تأتي بمنح تساوي منح كل الوحدات والهيئات المستقلة ، حيث لم يرصد لهذه المنح في العام 2014 سوى 67 مليون دينار ، وأستذكر هنا جامعة البلقاء التطبيقية التي لديها فروع في كل أنحاء الأردن ، كيف كانت هي الجامعة الحكومية الوحيدة التي لا ترصد لها الحكومة سنويا أي قرش ، وتقوم بالإنفاق على نفسها بنفسها ، وتشغل آلاف الموظفين على مساحة الأردن كله ، وعندما سئل رئيسها الأسبق عمر الريماوي أجاب : إنها الدراسات التي نقدمها والخطة التي ننفذها ، وها هي البلقاء التطبيقية الآن " تلبس قُبعَها وتلحق ربعها " فعلى أي أساس لم يرصد من المنح لجميع الهيئات والوحدات الـ 64 سوى 67 مليونا ؟ .. ماذا يفعل رؤساؤها وإداراتها سوى الركون إلى أن " رقبة الحكومة سدادة " ؟ .
إن على النواب والأعيان أن يتوقفوا طويلا خلال مناقشة مشروع قانون الموازنة للعام 2014 عند هذه الهيئات ، وعند مقدار الدعم الذي خصص لها والذي ينوف عن 350 مليونا ، تضاف إليها إيراداتها الذاتية ، ولا بد لي هنا من استذكار مدير إحدى الهيئات الذي تفاخر بأنه لا يكلف الحكومة شيئا لأن نفقاته هي نفس إيراداته ، ونسي هذا الشخص ومن يشد على يديه : بأن الإيرادات التي يتحدث عنها ليست ملك أبيه ، بل هي ملك الدولة ، وأن النفقات التي يفخر بأنه لا يتجاوزها سنويا يتم دفعها من قوت المواطنين ومن عجز الموازنات السنوية لتغذية البطالة المقننة التي تعاني منها هيئته العتيدة ، وقس على غيره كثيرا من الهيئات .
أعود وأسال نفس السؤال : أي بلد في العالم يفعل هذا ؟ .
د . فطين البداد