عشيرة آل الشرايري (الشرايرة) - إربد
عشيرة آل الشرايري
( الشرايرة ) - اربد
أمير اللواء علي خلقي الشرايري
كانَ أهالي شرقي الأردن , كباقي الشعوب العربية , يتمتعونَ في بداياتِ القرن العشرين المنصرم بمشاعرَ عروبية عارمة كردِّ فعل ضدَّ سياسة التتريك القسرية التي كانت تمارسها ضد العرب حكومة حزب الاتحاد والترقي الماسونية التي كانت تسيطرُ على الدولة العثمانية بهدف طمس الهويات القومية للشعوب التي كانت بلادها تتبعُ للدولة العثمانية وكانت البلاد العربية من هذه البلاد التي تعرَّضت شعوبُها العربية لمحاولة طمس هويتها العربية قسرا لحساب الهوية القومية التركية الطورانية .
واستغلت بريطانيا زعيمة الدول الاستعمارية في حينه هذه المشاعر العروبية في مواجهةِ سياسة التتريك لإغراء العرب بالدخول إلى جانبها وإلى جانب حليفتها فرنسا في الحرب ضدَّ الدولة العثمانية انتقاما من موقفها الرافض للسماح بهجرة اليهود إلى فلسطين , وخاصة في عهد السلطان عبد الحميد, ونجح الإنجليز بدهائهم وخبثهم في إقناع العرب بالدخول إلى جانبهم في الحرب مقابل تعهُّدهم للعرب بمنحهم حُرِّية تشكيل دولة عربية واحدة إذا انهزمت الدولة العثمانية , ومع الأسفِ فقد انخدعَ العربُ بوعود الإنجليز ودخلوا الحربَ إلى جانبها وإلى جانب حليفتها فرنسا ولكنَّ الإنجليزَ وحلفاءهم الفرنسيين لم يلبثوا أن خيَّبوا آمال العرب عندما نكثوا بوعودهم وعهودهم , فبدلا من ترك العرب يقيمونَ دولتهم العربية الموحدة قاموا باحتلال البلاد العربية , فاحتلَّ الإنجليزُ فلسطين والأردن والعراق ومصر والسودان وأجزاء كبيرة من بلدان الجزيرة العربية , واحتلت فرنسا سوريا ولبنان وكانت قد احتلت من قبل الجزائر والمغرب وتونس .
وقد أجَّجَ غدرُ الإنجليز والفرنسيين بالعرب المشاعر العروبية في الشعوب العربية, كما ساهمَ هذا الغدرُ في انبعاث المشاعر الوحدوية أيضا كردِّ فعل على قيام الإنجليز والفرنسيين بتقطيع أوصال البلاد العربية إلى عدَّة دويلات بعد أن كانوا قد تعهَّدوا للعرب بمنحهم حرِّية تأسيس دولة عربية توحِّدُ بلدانهم وشعوبهم.
وعندما أسَّسَ الأميرُ عبدالله بن الحسين الدولة الأردنية كان تأثيرُ المشاعر العروبية الوحدوية واضحا في التسميةِ التي أطلقت على حكومة الإمارة حيث أطلقَ عليها اسم (حكومة الشرق العربي), وعندما أوعزَ الأميرُ عبد الله بن الحسين للزعيم العربي اللبناني الدرزي رشيد طليع بتشكيل أوَّل حكومة في عهد الإمارة الأردنية في 11/4/1921م ,لم يجد الشرق أردنيون غضاضة أن تضمَّ الحكومة وزيرا واحدا من أبناء شرقي الأردن هو القائم مقام علي خلقي باشا الشرايري , بينما كان بقية الوزراء الستة بالإضافة لرئيس الحكومة من المواطنين العرب من عدَّةِ بلادٍ عربيةٍ , فقد ضمَّت الحكومة ثلاثة من الشخصيات السورية هم الوزراء أحمد مريود وحسن الحكيم ومظهر رسلان , كما ضمَّت شخصية فلسطينية هو الوزير أمين راغب التميمي , بالإضافة إلى الأمير شاكر بن زيد والشيخ محمد الخصر الشنقيطي اللذين رافقا الملك عبد الله في قدومه إلى معان ومنها إلى عمان ليؤسس الإمارة الأردنية , أما رئيس الحكومة التي كان يطلق عليها اسم (مجلس المشاورين)رشيد طليع فقد كان لبنانيا.
الإنجليز يحتجون على تعيين علي خلقي
باشا الشرايري وزيراً في حكومة أردنية
أثارَ اختيارُ الرئيس رشيد طليع للقائمّ مقام علي خلقي باشا الشرايري مشاوراً للأمن والانضباط استياءَ سلطات الانتداب البريطاني في شرقي الأردن وفلسطين, وزاد من استيائها اختياره ليكون مشاوراً للأمن والانضباط وهو منصبٌ يوازي في أيامنا وزارة الداخلية, وقد تجلّى هذا الاستياء من خلال الوثيقة التي تحتفظ بها دار الوثائق البريطانية في الملف رقم ( ؤ.خ 2/732) C.O, ونشرها المؤرِّخ سليمان الموسى في كتابه (وجوه وملامح)حيث حملت الوثيقة نصَّ برقيةٍ أرسلها المندوب السامي البريطاني في فلسطين هيربرت صموئيل (اليهودي الأصل) إلى وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل يبلغه فيها بتعيين علي خلقي باشا الشرايري مديراً للأمن العام في الإمارة فردَّ تشرشل ببرقيةٍ أكَّدَ فيها عدم ارتياحه لتعيين علي خلقي الشرايري في هذا المنصب الخطير , وأشار إلى أنَّ ذلك التعيين سيثيرُ الفرنسيين الذين يرون في علي خلقي الشرايري واحداً من أخطر أعدائهم , وطلب تشرشل من المندوب السامي البريطاني هيربرت صموئيل أن يرجو الأمير عبد الله بإعادة النظر في تعيين علي خلقي مشاوراً للأمن والانضباط (وزير داخلية ).
وكانَ لخلفيةِ القائم مقام علي خلقي باشا الشرايري العسكرية التي اكتسبها أثناء خدمته في الجيش العثماني دورا هاما في اختياره مشاورا للأمن والانضباط , وهو منصبٌ يوازي منصبَ وزير الداخلية في أيامنا .
وشغلَ الوزير علي خلقي الشرايري المنصبَ الوزاري للمرَّة الثانية في حكومة الرئيس حسن خالد أبو الهدى الصيَّادي السوري الأصل المشكَّلة في 5/9/1923م ناظرا للمعارف (وزيرا للمعارف).
وعندما تأسَّست الحكومة العربية في سوريا بزعامة الملك فيصل بن الحسين أصبحت شرقي الأردن تتبع للإدارة العسكرية التي كان يتولى قيادتها الملك فيصل من دمشق , وفي إحدى المراحل عيَّنت الإدارة العسكرية القائم مقام علي خلقي الشرايري حاكما عسكريا لشرقي الأردن , وعندما بدأت تظهرُ في الأفق استعدادات القوات الفرنسية لمهاجمة سوريا للقضاء على العهد الفيصلي وحكومته العربية كان من بين الإجراءات المضادة التي اتخذتها الحكومة العربية نقل القائم مقام العسكري علي خلقي الشرايري ليكونَ قائدا عسكريا لمنطقة القنيطرة ذات الموقع الإستراتيجي على طريق دمشق , وكان ذلك في ما بين عامي 1919م و 1920م وعندما تمكنت قوَّة المستعمرين الفرنسيين الغاشمة والغادرة من القضاء على العهد الفيصلي وحكومته العربية أخذت تطارد رجالات الحركة العربية الذين ساهموا في تأسيس الحكومة العربية في سوريا , وكان علي خلقي باشا الشرايري الذي أصبحت رتبته أمير لواء أحد الذين حكمت عليهم المحكمة العسكرية الفرنسية بالإعدام بتهمة مقاومة الجيوش الفرنسية , وبتهمة التخطيط للثورة ضدَّ السلطة الفرنسية في سوريا , وبتهمة تحريض المواطنين ضدَّ المستعمرين الفرنسيين.
الشرايري يترأس الحكومة المحلية في الشمال
وكانَ أميرُ اللواء علي خلقي الشرايري قد انسحب بصحبة الملك فيصل بن الحسين من درعا إلى حيفا بعد نجاح المستعمرين الفرنسيين في القضاء على الحكومة العربية في سوريا, وعندما جاءَ المندوبُ السامي البريطاني صموئيل إلى السلط ليبلغ شيوخَ وزعماء شرقي الأردن بأنَّ سلطات الانتداب البريطاني في شرقي الأردن ستخلف الحكومة العربية الفيصلية في تدبير شؤون شرقي الأردن , أوجسَ الشرقُ أردنيون خيفة من أنَّ الإنجليز سيحوِّلون شرقي الأردن إلى مستعمرة من مستعمراتهم , فتنادى الشيوخُ والزعماءُ إلى ضرورة تشكيل حكومات محلية تأخذ زمامَ الأمور في مناطقها حتى تقطعَ الطريقَ على المستعمرين الإنجليز من التحكم فيها , وكان من هذه الحكومات ما أطلق عليهااسم (حكومة عجلون العربية)برئاسة القائم مقام علي خلقي الشرايري وقد شكلها بتشجيع مباشر من الملك فيصل بن الحسين قبل مغادرته حيفا إلى بريطانيا, فغادر الشرايري حيفا إلى اربد ووصلها في شهر آب 1920م وشكلَ حكومة محلية في المنطقة عرفت باسم (حكومة عجلون العربية).
وتشكلت حكومة عجلون العربية من القائم مقام علي خلقي باشا الشرايري رئيساً, ومحمد الحمود (الخصاونة) وزيراً للمالية, وحسن أبو غنيمة ( عم معد الدراسة ) وزيراً للمعارف, وصالح المصطفى اليوسف الملحم التل (جد معد الدراسة ) وزيراً للعدلية, والقائد خلف محمد التل منسقاً عاماً, وكلَّفته الحكومة بتأسيس نواة الجيش الوطني.
وكانَ من أهمِّ قرارات المجلس الإداري التشريعي لحكومة قضاء عجلون رفعُ العلم السوري العربي ذي النجمة على دار الحكومة ودار البلدية في إربد وذلك كترجمة عملية للمشاعر العروبية الوحدوية التي كانت تتأجَّج في صدور الشرق أردنيين , وقد تجلت الروحُ العروبية والوحدوية أيضاً في تشكيلةِ كبار موظفي حكومة عجلون العربية فإلى جانب كبار الموظفين الشرق أردنيين محمود أبو راس الروسان مدير الدفاع وعبد القادر حجازي مدير المالية ونقولا غنما المستنطق ( المدعي العام) وقد تولى المنصب الوزاري فيما بعد ومصطفى حجازي رئيس بلدية إربد والشيخ عوض الهامي وكيل القاضي الشرعي وسامح حجازي مدير المخابرات (المراسلات) ومحمود الخالد الغرايبة رئيس كتاب المحكمة , فقد ضمَّت التشكيلة عارف العنبتاوي - وهو من فلسطين في منصب رئيس المحكمة , وشغلَ جميل شاكر الخانجي وهو من الثوار السوريين الذين لجأوا إلى الأردن بعد إحكام الفرنسيين المستعمرين سيطرتهم على سوريا - منصبَ مدير عام المدارس , وشغلَ الشيخ علي حشيشو وهو من لبنان منصبَ المفتي .
وكان علي خلقي الشرايري قد لعبَ دورا قياديا ورائدا في تأجيج نيران الثورة الشعبيةِ ضدَّ المستعمرين الفرنسيين الذين كانوا يرتكبون أبشعَ الجرائم بحقِّ الشعب العربي في سوريا وخاصة بعد أن استتبَّ لهم الأمرُ بعدَ معركةِ ميسلون الخالدة التي استشهد فيها خيرة رجالات الحركة الوطنية العربية وفي مقدِّمتهم وزير الحربية في الحكومة العربية الفيصلية القائد المجاهد يوسف العظمة .
وكانَ الأميرُ عبدُ الله يعرفُ مكانة الشرايري ووطنيته وشجاعته وكفاءته فكان الشرايري واحدا من القادة العسكريين الذين اعتمدَ عليهم الأميرُ عبد الله في التحضير للثورة الشعبية ضدَّ المستعمرين الفرنسيين في سوريا , وعندما انتدب الأمير عبد الله الشريف علي بن الحسين الحارثي للذهابِ من معان مقرِّ الأمير المؤقَّت في حينه إلى عمان ليمثله بصفته قائدا للجيوش الثورية السورية كان علي خلقي الشرايري في مقدمة من طلب الأمير من مبعوثه الاتصال بهم لتهيئة المواطنين لمرحلة الثورة ضدَّ المستعمرين الفرنسيين , وقد نشر الأستاذ سليمان الموسى نصَّ مخابرة الشريف الحارثي مع الشرايري في كتابه الوثائقي (تاريخ الأردن في القرن العشرين)وتضمَّنت الرسالة إطراء لوطنية الشرايري وشجاعته وكفاءته.
ولم تتوقف نشاطاتُ الوزير علي خلقي الشرايري الثورية والوطنية عندَ مشاركته الفاعلة في التصدِّي لحكومةِ حزب الاتحاد والترقي الماسونية في تركيا بعد سيطرتها على مقاليدِ الأمور في الدولةِ العثمانية بمساعدة من الإنجليز والأمريكان والصهيونية العالمية وفراخها في المحافل الماسونية , ولا عندَ مشاركته الفاعلة في التصدِّي للاستعمار الفرنسي البغيض في سوريا التي كانت تشكلُ مع الأردن وفلسطين ولبنان كيانا جغرافيا واحدا كان جزءا من الوطن العربي الكبير تحت اسم سوريا الطبيعية , ولا عندَ التصدِّي للنفوذِ البريطاني المسيطر على مقاليد الأمور في شرقي الأردن , وإنما تعدَّى نشاط علي خلقي الشرايري الثوري والوطني ما سبقَ ذكرَه ليساهمَ مساهمة فاعلة في دعم ثورة الشعب الفلسطيني في عام 1936 م ضدَّ الإنجليز الذين كانوا يستعمرون فلسطين وضدَّ المخططات الصهيونية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بدعم من الإنجليز في ذلك الوقت .
فعلى صعيدِ مشاركة علي خلقي الشرايري في الثورةِ الفلسطينيةِ في عام 1936م فقد كان في مقدِّمة رجالات شرقي الأردن الذين كانوا وراء تفجير طاقات الشعب الأردني باتجاه دعم ثورة إخوانهم في فلسطين , وكانت سلطة الانتداب البريطاني في الأردن وفلسطين لا تخفي شكوكها في أن الشرايري كان أحد العقول المدبِّرة لمعظم النشاطات الوطنية التي كان ينظِّمُها الشرق أردنيون دعما لإخوانهم ثوار فلسطين , وخاصة العمليات العسكرية التي كان يقوم بها الوطنيون في شرقي الأردن ضد مراكز الجيش البريطاني على جانبي نهر الأردن وفي أماكن كثيرة كإربد وعجلون ومادبا والسلط والطفيلة وكفرنجة وأم الرمان وكريمه , ويبدو أنَّ الإنجليزَ فقدوا السيطرة على أعصابهم عندما دعا علي خلقي الشرايري إلى عقدِ اجتماع شعبي في منزله في إربد دعا فيه المواطنين علنا إلى القيام بأعمال عسكرية ضدَّ القوات الإنجليزية انتقاما لأهل فلسطين الذين كان الإنجليز يقمعون ثورتهم بأبشع أشكال البطش والوحشية .
من بيت الشرايري صدر قرار تفجير أنابيب النفط التي بناها المستعمرون الإنجليز
ففي ذلك الإجتماع الشعبي بمنزله في إربد دعا الشرايري المواطنين علنا إلى القيام بأعمال عسكرية ضدَّ القوات الإنجليزية انتقاما لأهل فلسطين الذين كان الإنجليز يقمعون ثورتهم بأبشع أشكال البطش والوحشية, وفي ذلك اللقاء أعلن شيوخَ ورجالات شمال الأردن إحتجاجهم على إتفاقية وقعتها حكومة الرئيس حسن خالد أبو الهدى الصيَّادي مع المستعمرين الإنجليز الذين كان من ضمن مخططهم الاستعماري لنهب خيرات الوطن العربي بعد احتلالهم للعراق في عشرينيات القرن العشرين المنصرم تأسيس شركة في العراق أطلقوا عليها اسم ( شركة بترول العراق ) ومنحوها حقَّ احتكار استخراج النفط من حقوله الكثيرة في العراق وحقَّ احتكار تصديره وبيعه وفي 11/1/1931 م وقَّعت الشركة الإنجليزية اتفاقية مع حكومة إمارة شرقي الأردن التي كانت برئاسة حسن خالد أبو الهدى الصيَّادي حصلت بموجبها على حقِّ امتياز تمديد خط للأنابيب في أراضي شرقي الأردن لنقل النفط العراقي إلى ميناء حيفا , وكانت مدة الاتفاقية لسبعين عاماً , وأثارت الاتفاقية غضبَ رجالات الحركة الوطنية الأردنية في شمالي الأردن الذين أعلنوا رفضهم للاتفاقية بسبب ما حفلت به من شروط مجحفة بحق الإمارة , فقد حصلت الشركة الإنجليزية على حقِّ إقامة المحطات والمباني واستعمال الأراضي والحماية (الحراسة) دون مقابل , وأعفيت الشركة من دفع أية ضرائب أو رسوم على النفط المار بالأنابيب , وأعفيت من دفع الجمارك على المعدات التي تستوردها , كما حصلت على حقِّ استخدام جميع الطرق العامة في الإمارة بدون دفع رسوم وبدون المساهمة في تكاليف إنشائها أو صيانتها , وقد عبَّرَ كتابُ (تاريخ الأردن في القرن العشرين) لمؤلفيه الأستاذين منيب الماضي وسليمان الموسى عن مدى الإجحاف الذي لحق بالإمارة من هذه الاتفاقية بالقول :
(نستطيعُ أن ندركَ مدى الغُبن الذي لحق بشرقي الأردن من جرَّاء هذه الاتفاقية حين نعلم أن الشركة الإنجليزية ربحت ما بين عامي 1933-1948 م عدة ملايين من الجنيهات دون أن يستفيد الأردن شيئا يذكر).
وكانَ للخطاب الحماسي الذي ألقاه الشرايري في اللقاء أثرٌ كبيرٌ في تأجيج حماس المجتمعين فأتخذوا قرارا بتفجيرخط أنابيب النفط المار في الأراضي الأردنية في موقع قريبٍ من بلدة الحصن في مدينة إربد , وقد ذكرَ لي شخصياً الأستاذ أحمد محمد الخطيب الذي كان أحد المشاركين في عملية التفجير أنهم هرَّبوا المتفجرات من نقاط التفتيش التي كان المستعمرون الإنجليز قد نشروها على الطرق بوضعها تحت عمامة الشيخ يوسف البرقاوي إمام المسجد الغربي في اربد , واستطاعوا تمريرها إلى موقع العملية , وبعد نجاح رجالات الحركة الوطنية الأردنية في تفجير خط أنابيب النفط قام المستعمرون الإنجليز بالضغط على حكومة الإمارة التي كانت برئاسة توفيق أبو الهدى فقامت بحملةِ اعتقالات واسعة النطاق لرجالات الحركة الوطنية في شمال الأردن كان في مقدمتهم القائم مقام علي خلقي باشا الشرايري وأحمد محمد التل (أبو صعب) ومحمود باشا الخالد الغرايبة وسليمان باشا السودي الروسان ومحمد السمرين خريس وأحمد محمد الخطيب ومحمود أبو غنيمة (والد معد الدراسة) وابراهيم عبد الله المفلح العبيدات وسالم الهنداوي وابراهيم التل وراشد الخزاعي وعمر السكران وأحمد الجيزاوي ومحمد عبد العزيز إرشيدات وصبحي النابلسي ومحمد أبو عيَّاد واسعد شرار والشيخ علي الملكاوي ومحمد السعد البطاينة وتيسير ظبيان وأمين الخصاونة وغيرهم من الناشطين في الحركة الوطنية الأردنية ضد المستعمرين الإنجليز.
الشرايري يرفض طلب العفو
وعن أنَفَةِ الوزير الشرايري واعتزازه بوطنيته يروي المؤرِّخ سليمان الموسى في كتابه (أعلام من الأردن - توفيق أبو الهدى)أن الرئيس أبو الهدى قام بزيارة للمعتقلين من رجالات الشمال في سجن المحطة , فلما علمَ الشرايري بأمر الزيارة عن طريق قائدِ السجن الحاج عربي الذي طلب منه الاستعداد لاستقبال رئيس الوزراء أبو الهدى في غرفته في السجن أبلغه الشرايري بعدم رغبته في رؤية الرئيس وعدم استعداده لاستقباله إذا حضر إلى غرفته , ويبدو أن قائد السجن لم يبلغ الرئيس أبو الهدى برسالة الشرايري فقامَ بالدخول إلى غرفة الشرايري فتفاجأ أبو الهدى بأن الشرايري بقيَ مستلقيا على سريره ولم يمد يده إلى أبو الهدى الذي كان مادا بيده للسلام عليه , فلم يكن من الرئيس أبو الهدى إلا أن تراجع منسحبا من الغرفة .
وكان الأميرُ عبد الله في قرارةِ نفسه غيرَ راض عن اعتقال رجالات الشمال , فأوعز إليهم من طرفٍ خفي أن يتقدموا بطلبات للعفو واعدا بأنه سيصدرُ عفوا رغم علمه بأن ذلك سيحرجه مع الإنجليز فبادرَ العديد من المعتقلين بطلب العفو لأنهم كانوا يعتقدون أنَّ وجودَهم في ساحة العمل الوطني خارج السجن أفضلُ من البقاء في السجن , فصدر عفوٌ عنهم وخرجوا , أما علي خلقي باشا فقد أصرَّ على عدم طلب العفو معللا ذلك بأنه لم يرتكب جريمة ليطلب العفو عنها , وإنما قام بعمل وطني ينبغي أن يُشكرَ عليه لا أن يُسجنَ بسببه , وشاركه في موقفهِ أحمد التل (أبو صعب) وأمين الخصاونه ومحمود أبو غنيمة (والد معد الدراسة), فتأخَّرَ خروجُهم من سجن المحطة حتى عام 1942م .
نسب عشيرة آل الشرايري (الشرايرة)
ينتمي أمير اللواء علي حسن( خلقي) باشا الشرايري إلى عشيرة الشرايري في إربد التي تقولُ رواية إنَّ جذورَهم تعود إلى قبيلة عنزه بالحجاز , بينما تقولُ رواية أخرى إنَّ جذورَهم تعودُ إلى قبيلة بلي من قضاعة .
وتلتقي أكثرُ من روايةٍ أن شقيقين من قبيلة بلي من قضاعة وهما شرار ومحمد ارتحلا من شمال الحجاز إلى شرقي الأردن ونزلا في غور نمرين في الأغوار حيث الزعامة لقبيلة العدوان , ثم ارتحلا بعد خلاف مع العدوان إلى قريتي الجزَّازة والمجدل في منطقة جرش , ثم عادا إلى الغور ليستقرَّ محمدٌ هناك ولتتشكلَ من أعقابه عشيرة البلاونه التي يوحي اسمها بترجيح الرواية التي تقولُ إنَّ جذورَ عشيرة الشرايري وأبناء عمهم عشيرة البلاونه تعودُ إلى قبيلة بلي من قضاعة , ويوردُ كتابُ (قاموس العشائر في الأردن وفلسطين) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري نفسَ الروايتين عن جذور عشيرة الشرايرة في الأردن التي تقولُ إحداهما إنهم من قبيلة عنزه , وتقول الأخرى إنهم من قبيلة بلي , ويذكرُ عمَّاري أن شقيقين هما شرار ومحمد ارتحلا من الحجاز إلى الغور في الأردن , ثم ارتحلَ شرار إلى بيت يافا ثمَّ كفر سمك ثمَّ استقرَّ في اربد , أما الشقيق الآخر محمد فقد استقرَّ في الغور الجنوبي حيث تشكلت من أعقابه عشيرة البلاونة .
ويوردُ كتابُ (عشائر شمالي الأردن)لمؤلفه الدكتور محمود محسن فالح مهيدات نفسَ الروايتين حول نسب عشيرة الشرايرة ( الشرايري ) وحول ارتحال الشقيقين شرار ومحمد من الحجاز إلى الأردن حيث تشكلت من أعقاب شرار عشيرة الشرايرة (الشرايري) في إربد , وتشكلت من أعقاب محمد عشيرة البلاونة في الغور الجنوبي .
ويذكرُ المهيدات أنَّ البلاونة الذين يلتقون مع الشرايرة في الانتساب لقبيلة بلي من قبيلة قضاعة لم يطل مكوثهم بعد قدومهم من الحجاز في غور نمرين التي كانت زعامتها للعدوان , فارتحلوا إلى قريتي المجدل والجزَّازة بجوار جرش , ثم ارتحلوا إلى الغور (الجنوبي) وانتقلوا من حياة البداوة إلى حياة الزراعة حيث أخذوا في استثمار الأراضي وزراعتها.
ويوردُ كتابُ (موسوعة القبائل العربية) لمؤلفه الباحث عبد عون الروضان نفسَ الرواية التي أوردها كتابُ (عشائر شمالي الأردن), ويعزِّزُ الرواية التي تنسب البلاونة إلى قبيلة بلي من قضاعة , وهذا النسب ينطبق على عشيرة الشرايرة حيث أنَّ الجَدَّين المؤسِّسين للشرايرة والبلاونة هما الشقيقان شرار ومحمد كما تواترت الروايات .
أما قبيلة بلي التي ينحدر منها الشرايرة والبلاونة فهي قبيلة عربية يمانية انحدرت من أعقاب بلي بن الحاف بن قضاعة , وموطنها على حدود الشام بالقرب من تيماء في الحجاز .
ويُعزِّزُ كتابُ (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها) لمؤلفه فردريك . ج .بيك الرواية التي تذكر أنَّ جَدَّي الشرايرة (الشرايري) والبلاونة هما شقيقان (شرار ومحمد) ارتحلا من الحجاز إلى شرقي الأردن واستقرَّ شرارُ جَدُّ الشرايري في إربد بعد تنقله بين بيت يافا وكفر السمك , أما جَدُّ البلاونة محمد فاستقرَّ في الغور .
وتذكرُ الرواياتُ أن أمَّ الصحابي الجليل عمرو بن العاص كانت من قبيلة بلي , ولعلَّ ما يُعزِّزُ انتساب الشرايرة وأبناء عمومتهم البلاونة إلى بلي ما ذكره المؤرِّخُ مصطفى مراد الدبَّاغ في الجزءِ الأوَّل من القسم الثاني من كتابه (بلادنا فلسطين) من أنه عندما عيَّن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولاية فلسطين وما والاها بعد أن فتحها الله على المسلمين الصحابيَ الجليل عمرو بن العاص والياً عليها كان يوجدُ فيها بعضُ أهل الصحابي عمرو بن العاص - رضي الله عنه , والأرجحُ أنهم أبناء عمومة الشرايرة البلاونة الذين ينحدرون من قبيلة بلي التي تنتسب إليها أمُّ الصحابي الجليل عمرو بن العاص, ويذكرُ الدبَّاغ أن عربَ الفقرا في بئر السبع هم بطنٌ من عشيرة البلاونة التي تنحدرُ من قبيلة بلي , كما يشير إلى أن عرب البلاونة في أم خالد في منطقة بئر السبع ينحدرون من بلي .
ويذكرُ الدبَّاغ أنَّ الصحابيَ الجليل عمرو بن العاص كان له قصرٌ في بئر السبع يعرف بالعجلان كان ينزله كلما أحب أن يختليَ بنفسه , وربما كان اختياره رضي الله عنه بئر السبع مكانا لبناء قصره بسبب وجود أقرباء أمِّه من البلاونة فيها .
ويُعزِّزُ الدباغ في الجزءِ الثالثِ من القسم الثاني من (بلادنا فلسطين) الرواية التي تؤكد أنَّ عشيرة الشرايرة ( الشرايري ) في اربد يلتقون في قرابة أبناء العمومة مع عشيرة البلاونة في الغور.