تدابير اقتصادية أردنية مضحكة
إذا كان لا بد من أن أعرج سريعا في مقالة هذا الأحد على الإقتصاد ، بعيدا عن شبهات الفساد في مرافق عامة وغيرها ، فإني سأتناول أمرا خطيرا يمر مرور الكرام في العادة ، حتى على المتخصصين ، وأعني به اتفاقيات التجارة الحرة الأردنية مع الخارج :
لا بد من الإعتراف أن اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعها الأردن مع الدول الأجنبية ، هي اتفاقيات تسعى إليها العديد من دول العالم الصناعية ، لما لها من آثار إيجابية على الإقتصاديات الوطنية من مختلف وجوهها ، إلا أن حسابات الحقل الأردني المحلي لم تتناسب مع حصاد البيدر الدولي .
فإذا كان الإنفتاح الأردني الإقتصادي بدأ فعليا في العام 1991 ، بعد ما عرف بأزمة نهاية الثمانينيات ، تلك التي انخفض فيها الدينار الأردني وهربت فيها رؤوس أموال كبيرة ، فإن كل ما كان يرجوه الأردن هو أن يصل إلى موضع يستطيع فيه الإعتماد على نفسه ، بدل أن يرهن موازناته السنوية لمساعدات الآخرين ، فاعتمد ، راغبا ، أو مكرها " لمن يحب الجدال " على فتح أسواق جديدة أمام المنتج المحلي ، وظل يراوح مكانه من حيث معاناته الدائبة من ضيق السوق الأردني ، وضعف قدرة الصناعة الأردنية على المنافسة ، خاصة وأنها كانت تعتمد اعتمادا أساسيا على الحماية الكمية والجمركية ، ثم ما لبث الأردن أن انضم إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2000 ، ووقع اتفاقيات تجارة حرة مع أمريكا وتركيا والإتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ، وكندا ، مما جعل لهذه الإتفاقيات دورا أساسيا في زيادة الصادرات التي وصلت في العام 2012 إلى خمسة مليارات دينار أردني ، مقارنة بحوالي 1 ، 1 مليار في العام 2000 وفق تقرير رسمي .
ولا ينكر إلا مبتدئ ، أن اتفاقيات التجارة الحرة مع الخارج زادت من حجم الإستثمارات الأجنبية من 647 مليون دينار في العام 2000 إلى حوالي ملياري دينار في العام 2012 ( تقرير 2013 لم يصدر بعد وقد يصدر خلال أسابيع ) دون أن ننسى ازديار الناتج المحلي الإجمالي من خلال تغير التركيب الهيكلي له بعد أن بدأ نجم الصناعات التحويلية يلمع في سماء الإقتصاد حيث وصلت نسبة مساهمة هذه الصناعات لأكثر من 25 % .
ولكن ، ألا تدفعنا هذه الأرقام المتواضعة إلى أن نعيد حسابات الحقل إياه ، ليس بإلغاء هذه الإتفاقيات ، وهذا مستحيل طبعا ، بل بالإستفادة من قانون حماية الإنتاج الوطني ، خاصة وأن الإتفاقيات التي وقعها الأردن مع الخارج تسمح باتخاذ تدابير وقائية في حال ازدادت المستوردات على حساب الصادرات بأرقام مخيفة ، ولا أريد أن أجادل هنا من سيتنطح للحديث عن صغر حجم السوق المحلي .
ولعلم القارئ الأردني الكريم ، فإن هامش اتخاذ تدابير وقائية من قبل الدولة الأردنية ، وهو واسع بموجب الإتفاقيات نفسها ، لم يتم استغلاله بالمطلق ، حيث اكتفت الحكومات الأردنية المتعاقبة ووزارات الصناعة والتجارة المتلاحقة بفرض تدابير حماية مضحكة للعديد من السلع التي لا تضر ولا تنفع مثل " البسكيوت وأشرطة التسجيل ، والمعكرونة وأطقم الحمامات " .
إن قطاع الصناعة الأردنية يعيل حوالي 250 ألف عامل أردني ، ونتحدث عنا عن أسر وعائلات ، فهل يجوز اقتصار الحماية على أطقم الحمامات ، والبسكويت والمعكرونة ، بينما تنهش الصناعات الأجنبية بجسد الصناعة الاردنية التي أخشى ما أخشاه أن نبكي على أطلالها ، ونندم ، حين لا ينفع الندم .
د . فطين البداد