حقائق عن شركة حكومية أردنية مدينة بـ 2 مليار دينار
عندما تتجاوز خسائر شركة الكهرباء الوطنية ثلاثة أرباع رأسمالها ، ولا يتم تطبيق القانون عليها بالتصفية لأسباب غير مقنعة ( قد نقف على ذلك في مقال لاحق ونطرح بدائل ) فإن أمرا كهذا يفسر الخسائر المتراكمة التي لا زالت الشركة المملوكة للحكومة تعاني منها ، ولكن : هل طبقت الحكومات المتعاقبة على الشركة المذكورة قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته ، أم اعتمدت سلوك الغريق الذي لا يخشى من البلل ؟ .
لا بد من الإعتراف ، أن الأعباء التي حملتها الشركة المذكورة تنوء بحملها الجبال ، هذا لا يجادل فيه اثنان ، ولكن الحديث هنا عن نقاط مهمة كان بالإمكان الإلتفات إليها قبل أن يصل رقم مديونية الشركة إلى 2 مليار دينار ، مع التنويه أن الشركة سبق وهددت وزارة الطاقة من أنها تتعرض للإفلاس وبحاجة إلى قرارات حكومية سريعة لكفالتها لدى البنوك المحلية .
كما وإنه لا بد من الإعتراف أيضا : أن توقف الغاز المصري وتحول الشركة إلى الديزل والوقود الثقيل رتب عليها خسائر إضافية لا قبل لها بها ، غير أن ذريعة توفير الطاقة لا تشفع للشركة تقصيرها في عدد من النقاط التي قدر لي الوقوف عليها ، حيث إن هذه النقاط كانت كفيلة بأن تخفض الأعباء بمبالغ خيالية ، وأذكرها هنا نقلا عن مصدرها الرقابي لعل الذكرى تنفع المؤمنين :
فلقد تحملت الشركة كلفة شراء الوقود والغاز ما أدى إلى لجوئها إلى الإقتراض بكفالة موجوداتها وبواسطة سندات وأذونات الدين بكفالة الحكومة بالإضافة إلى تحملها خدمة الدين من أقساط وفوائد ، ورغم ذلك ارتفعت قيمة الذمم التجارية وأرصدة مدينة أخرى بنسب خيالية ، ويعود السبب إلى ارتفاع قيمة الذمم المستحقة على العملاء مستخدمي الطاقة ، وتبين بأن الذمم تركزت على شركة الكهرباء الأردنية بواقع 61 % من مجموع الذمم المستحقة للشركة ، ناهيك عن وجود ذمم متقادمة مترتبة على شركة أخرى هي شركة توزيع الكهرباء لم يتم تحصيلها ، علما بأنها مبالغ غير محصلة منذ العام 1998 لغاية الآن ، فماذا كانت تفعل الشركة ولماذا تجاهلت حقوقها على شركات أخرى ؟ .
كما وتبين لي من خلال وقوفي على ملفات هذه الشركة ( الكهرباء الوطنية ) التي لا نسمع منها إلا الشكوى : أن لديها مخالفات بالجملة تتعلق بسندات تسجيل أراض مملوكة للشركة تحمل تواريخ قديمة ولا يتم تحديثها لبيان حقيقة هذه الأراضي ، وهل هي مملوكة للشركة أم لا ، وينطبق نفس الأمر على مبان كثيرة تعود للشركة حيث تبين أنه لا وجود لمستندات إثبات ملكية باسم شركة الكهرباء الوطنية ، وإسكان الأزرق أحد الأمثلة .
إلا أن الطامة الكبرى ، كانت في ما أورده التقرير الرقابي ، حيث تشير الدراسات الصادرة عن شركة الكهرباء الوطنية أنه إذا تم استخدام 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميا فإنه كذلك يتطلب استخدام 4650 طنا يوميا من الديزل لإنتاج ما تحتاجه المولدات ، ولشراء هذه الكمية من الديزل بأسعار التعرفة المحلية تكون القيمة رقما مرتفعا ، أما إذا اشترتها الشركة بالأسعار العالمية فإن القيمة تنخفض إلى رقم آخر ، فما بالك والشراء يومي والفاتورة تتضاعف كل لحظة ، حيث تصل المبالغ الإجمالية إلى عشرات الملايين ، وكان يفترض بالشركة أن تنسق مع وزارة الطاقة بخصوص تعرفة شراء الوقود من شركة مصفاة البترول الأردنية والتحقق من مدى مطابقتها للأسعار العالمية .
وإذا عرجنا على أمر خطير آخر ساهم في مديونية الشركة ، بغض النظر عن حجم هذه االمساهمة ، فإن الفاقد في الكهرباء يعتبر الأشد والأنكى : فلقد تم احتساب قيمة الفاقد في كل من قطاع التوليد والنقل على أساس سعر التكلفة ، في حين تم احتساب قيمة الفاقد في قطاع التوزيع على أساس أسعار التعرفة الصادرة عن هيئة تنظيم أسعار الكهرباء ، حيث بلغت القيمة الإجمالية للفاقد في الطاقة الكهربائية حوالي 198 مليون دينار .
كما ولا أريد أن أسرد تفصيليا قصة الإتفاقيات التي وقعتها الشركة مع شركات توليد االكهرباء ، حيث بينت دراسة بهذا الخصوص تفاوتا في قيمة الميجا واط من شركة توليد إلى أخرى بدون إبراز الأسباب ، ناهيك عن قضية أخرى تتعلق بالإستثمار في شركة الميغا مول حيث قامت الشركة بذلك بدون دراسة جدوى وبدون أخذ رأي قانوني ، ولغاية الآن ، فإن هناك مطاالبات للشركة بالإستمرار بإجراءات المتابعة لتحصيل حقوق صندوق ادخار موظفي الشركة وغير ذلك من قضايا ، إلا أن المفاجأة أن الشركة ، وبعد أن رفعت دعوى ضد المحاكم للمطالبة بحقوق موظفيها ، تم رد دعواها بسبب أن صندوق الإدخار لا يتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة ولا يملك حق التقاضي في استثمار مشروع الميغامول وتعتبر هذه الصفقة خاسرة ، ولا ندري كيف تمت عملية الأستثمار من أساسها ولا من يقف وراءها .
وأختم بحادث محول المولد 14 في محطة توليد " رحاب " التابع لشركة توليد الكهرباء الوطنية ، حيث تعطل المولد مما اضطر الشركة إلى اللجوء لمصادر طاقة ذات كفاءة منخفضة وتكلفة أعلى لتعويض النقص مع أن الإتفاق مع شركة توليد الطاقة المركزية يلزم هذه الأخيرة بتحمل أي نفقات ، غير أن تعطل المحول أرغم شركة الكهرباء الوطنية التي هي محور مقالتنا بمبالغ تصل إلى الملايين بدون أي داع ، ولا زال هناك 3 ملايين غير محصلة .
باختصار : نفهم الأعباء التي تتحملها الشركة ، ولكن على الشركة أن تفهم بأننا – كمواطنين – نفهم أيضا أن سياسة الغريق الذي لا يخشى من البلل هي المعتمدة في شركة رفعت مديونية الأردن بحوالي 2 مليار فوق مديونيته ، وكان بالإمكان تخفيض أعبائها بنصف هذا المبلغ ، لو كان هناك متابعة وحصافة ، وليس " ركونا " على كفالة الحكومة التي - بدورها - تركن إلى " جيب " المواطن الذي لا ينضب !.
الدكتور فطين البداد