الملك والخطة العشرية والنواب وقانون الإستثمار
الرسالة الملكية التي وجه فيها الملك الحكومة لإعداد خطة عشرية اقتصادية للنهوض بالإقتصاد ونشرت نهاية آذار ، وتبعها رد من رئيس الحكومة ، ومن ثم مؤتمر صحفي عقده وزير التخطيط إبراهيم سيف الثلاثاء الماضي ، تشي بأن الهم الإقتصادي لجلالته يفوق أي هم ، بعد أن نجا الأردن من تداعيات الربيع العربي وبدأ مشوار الإصلاح لديه بخطوات مهمة ، عُدل بموجبها الدستور ، وأنشئت محكمة دستورية ، ونشهد - راهنا - نقاشات جادة من قبل وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية حول قانون الأحزاب ، وكذلك نقاشات " مؤجلة " تخص قانون الإنتخاب الذي تسلمه مكتب رئيس الحكومة ، ومن المتوقع عرضه على ديوان التشريع خلال عام أو عامين ، وذلك لتجنب غضبة نيابية في المجلس السابع عشر .
ولأن جلالته حدد برسالته التي سبق لي التطرق إليها في مقال سابق ، سبع نقاط استراتيجية مهمة ، فإن كل الحكومة باتت مستنفرة للإستجابة للتوجيه الملكي ، فكان ، أول ما كان ، رسالة النسور " رسالة الرد " وتلا ذلك على الصعيد العملي – إن أهملنا التصريحات الروتينية – مؤتمر وزير التخطيط ابراهيم سيف حول الخطة العشرية ذاتها ، مؤكدا – الوزير – أنهم سينتهون من وضعها نهاية هذا العام 2014 ، وقد أطلقت الحكومة عليها اسم ( رؤية الأردن 2025 ) .
أي أن الأمور تجري كما يجب ، هكذا يفترض ، ولكن الأمور لا تجري هكذا ، وفق ما شهدناه في البرلمان ، يوم الاربعاء الماضي ، حينما ناقش النواب قانون الإستثمار .
يفترض ، أن يتكاتف الجميع لإنجاح المشروع الملكي ، وأن لا يكون صياغة الخطة بالتنسيق مع الجميع – كما أعلن وزير التخطيط – مجرد كلام في الهواء ، والذي شهد جلسة البرلمان يوم الأربعاء ، وقد شاهدتها عبر المدينة نيوز ، يدرك أن السلطة التنفيذية في الشرق والتشريعية في الغرب .
فلقد دفع نواب كثر لإلغاء مواد في قانون الإستثمار تعتبر استراتيجية وهامة في دعم هذا القطاع الذي لا يمكن أن تقوم للإقتصاد الوطني قائمة بدونه ، ورأيناهم يتكاتفون في سبيل جعل المناطق الإقتصادية تحت أمرة مباشرة للبيروقراطية وإعادة العجلة إلى الوراء ، بل إن بعض النواب تكاتفوا في سبيل إلغاء قانون نافذ مستقل يعود لإحدى المناطق الإقتصادية من خلال إضافة فقرات على بعض مواد قانون الإستثمار ، من شأن الأخذ بها ضرب هذا القطاع وإفشال الخطة العشرية .
هؤلاء ، وبدون أسماء ، يفكرون بطريقة لا أجد لها تفسيرا سوى أنهم يجدفون بعكس التيار ، وكأنهم – بهذه الآراء التي طرحوها في القبة – يريدون إفشال خطة الحكومة العشرية ، والعودة بنا إلى عصر الجمود وقرع طبول رفض الخصخصة من جديد ، وكأنه بقي هناك شيء نخصخصه ، رغم أن اللجنة التقويمية للخصخصة انتهت من تقريرها وأعلنته في مؤتمر صحفي ، وأثنت على الخصخصة عموما وانتقدت بعض الإجراءات حيالها ، وهؤلاء ، ومن خلال محاولتهم تقييد الإستثمار بقانون " انكشاري " يعودون سيرتهم الأولى في وضع العصي في دولاب أي تقدم ، متناسين بأننا في القرن الحادي والعشرين .
ولا يقبل أردني واحد أن تكون المناطق الإقتصادية المستقلة خارج رقابة الدولة الأردنية ، وأقول : رقابة ، ولا أقول تنفيذ أو إشراف ، لأننا إذا عدنا إلى بيروقراطية الأعمال و " الإهمال " فلن ننجز شيئا ، ومن أجل تحقيق الرقابة الحكومية على المناطق الإقتصادية فقد تم إخضاعها لرقابة ديوان المحاسبة ، أما إذا أراد المستثمر أن يوقع على معاملة تخص مشروعه وتطلب الأمر 100 توقيع ، فإن المناطق الإقتصادية جاءت لإنهاء هذه الظاهرة المتخلفة والتقدم بالأردن نحو العصرنة .
أحمد الله أن التصويت في الجلسة الأولى لم يكن كما اشتهى هؤلاء النواب ، حيث صوتت الأغلبية ضد اقتراحاتهم ، إلا أن الخوف يكمن في مواد أخرى لا زالت قيد النقاش ، حيث انتهت الجلسة المذكورة بدون إقرار القانون بالمجمل ، وعلى النواب أن يكونوا واعين ومدركين بأن الإستثمار هو الذي يأتي بالأموال وهو الذي يشغل العمالة العاطلة ، وهو الذي ينعش البلد .
باختصار : خطة عشرية ناجحة بحاجة إلى قوانين مساندة ، فبدون القوانين المساندة والفاعلة فكأنك يا بو زيد ما غزيت ، وسيصيب ( رؤية الأردن 2025 ) ما أصاب " الأجندة الوطنية " وأخواتها من مشاريع متقدمة تم إحباطها وأصبحت مجرد ذكريات .
الدكتور فطين البداد