المبادرة النيابية والحكومة .. ماذا بعد ؟
عندما يقول وزير الصناعة والتجارة الأردني - نأخذه مثالا وليس للحصر - : إن الأردن تخطى أزمة اقتصادية خانقة إلى توازن اقتصادي ، فإن هذا بحاجة إلى تمحيص .
لا نريد من الحكومة أو من الوزير الحلواني أو من وزير المالية ، أن يتحفونا بأرقام صماء عن توازن وعن نمو وما إلى ذلك ، نريد منهم جميعا أن يقولوا لنا بماذا انعكس هذا التوازن الإقتصادي الذي يتحدث عنه الوزير ، وأرقام النمو التي يتحدث عنها وزير المالية ، على المواطن الأردني ومستوى معيشته ؟.
لقد قيل كلام كثير في اللقاء الذي جمع الحكومة مع أعضاء المبادرة النيابية الأسبوع الفائت ، وتحدث الوزراء المعنيون ، كل عن وزارته ، وتسلم كل وزير ورقة ختامية " ملف " فيها توصيات ورؤى لكل وزارة على حدة ، ولكن آلية التنفيذ لا زالت مجهولة .
لا نريد أن يفهم بأن المبادرة النيابية هي فصل لجسم مجلس النواب ، أو أنها مجلس نواب مواز للمجلس الأصلي ، خاصة وأن كثيرين غير منضوين فيها ، إلا أننا نعتقد جازمين ،بأن المبادرة النيابية هي من أبدع ما أنبته الجسم النيابي الأردني عبر تاريخه ، إذ إنه ولأول مرة ، تتم شراكة حقيقية بين الحكومة وبين نواب ، وينتج عنه هذا العمل الإيجابي باعتراف وزراء السياحة والنقل وغيرهم ، ولا زلنا ننتظر المزيد .
إلا أن ما استهللت به مقالتي لهذا الأسبوع ، ينعكس على مختلف الوزارات : فبالإضافة إلى ما قاله وزير الصناعة عن أن الإقتصاد بدأ بالتوازن بعد الأزمة ، فإن وزير المالية أثنى على المبادرة معتبرا بأن التعاون بينها وبين الحكومة جعل من عجز الموازنة لهذا العام أقل من المستهدف ، مما يشي بأن أمرا ما قد حدث ، وهكذا فعل وزير الطاقة الذي كشف في الإجتماع أن الإحتياطي الكهربائي الآن هو 15 % بعد أن كان منذ بداية العام 2012 صفرا ، وعليه قس ما قيل عن الوزارات المختلفة الأخرى ومنها الأشغال والصحة وغيرهما .
ولأن الدستور فصل السلطات تفصيلا ، فإن تدخل المبادرة في عمل الحكومة ، ظاهريا ، يعتبر تدخلا في عمل السلطة التنفيذية ، إلا أنه - في الواقع - يدخل في صميم العمل البرلماني الرقابي والتشريعي ، وهو أمر تقبلته الحكومة ورئيسها الدكتور النسور ، بعد أن قيل كثيرا عن أن الحكومة تنأى بنفسها عن المبادرة والمبادرين إليها ، وهو ما ثبت ضده ، حيث تسلم النسور الملفات ، ووزعها على وزرائه .
إذن : كان هناك حكومات تغرد وحدها ، وبرلمان يغرد وحده ، وجاءت المبادرة النيابية ترسيخا لما طلبه الملك من شراكة حقيقية بين البرلمان والحكومة لدفع عجلة التنمية عبر استراتيجية واضحة ومحددة الزمان ومعروفة الآليات ، ولأن النواب الذين تبنوا هذه الفكرة ، فكرة المبادرة النيابية التي انضوى تحتها عدد كبير من أعضاء المجلس ، مخلصون ويدأبون في العمل ويبحثون عن إنجاز ، فقد اقتنعت الحكومة بهم وبمبادرتهم ،رغم أنه لا يلزمها لازم بذلك .
لقد جلس أعضاء المبادرة للحكومة على " ركبة ونص " كما يقال ، وتقبلت الحكومة هذه الجلسة ، ومن أجل ذلك : فإن كل الإستراتيجيات التي رسمت بالإشتراك وسلمت للوزراء بيد الرئيس نفسه ، مسؤولة عنها الحكومة والنواب أعضاء المبادرة ، لأن أي فشل هنا سيكون فشلا للطرفين ، وهذه أول مرة في تاريخ الأردن يشترك فيها النواب والحكومة في التخطيط والتنفيذ والرقابة معا ، إذا أردنا أن نقرأ المبادرة ومخرجاتها بحسن نية .
دعونا ننتظر هذا الإبتكار في العمل المشترك ، ونأمل أن ننجح ، لأن ما قاله وزير الصناعة الذي تناولت تصريحه بداية هذه المقالة لن يكون ذا وزن واعتبار إلا إن أحس المواطن العادي بتحسن ظروفه وأحواله ، وإلا فإن كل هذه الخطط والإجتماعات والمبادرات لن تكون سوى " حكي فاضي " ! .
د. فطين البداد