عن رد الملك لقانون التقاعد
أعجب من الذين مر إقرار قانون التقاعد المدني عليهم مرور الكرام ، ولم يتنبهوا لما فيه من ظلم من جهة ، و" تنفيع " من جهة أخرى إلا بعد أن رفضه الملك .
بعد رفض القانون رأينا وشاهدنا مقالات وتحليلات وهجوما مضادا على اللجنة ومجلس الأمة والحكومة ، وليت كل ذلك كان قبل الرفض الملكي .
كان النواب والأعيان الذين اجتمعوا سويا لإقرار القانون ، وفعلوا ذلك في طرفة عين ، في أحسن حال وأهدأ بال ، بعد أن مضى القانون في حال سبيله على حين غرة ، أو تنفيذا لأمر دبر بليل كما قيل .
أعتقد ، ويعتقد معي كثيرون : أن غض النظر عما في القانون من شبهات دستورية ،ومن ظلم يحيق بمئات آلاف الموظفين والمتقاعدين مدنيين وعسكريين ، أولئك الذين ينهون عقودا في الخدمة العامة نظير تقاعد بالكاد يكفيهم وعيالهم بقية عمرهم ، ما كان له ليكون ، لولا أنه لا رقابة إعلامية حقيقية على ما يجري تحت قبة البرلمان إلا من رحم ربي ، ولا مسؤولية حقيقية تشبع مثل هكذا قانون دراسة من مختلف الوجوه ، بل إن وزيرا عاملا همس في أذني قائلا : " اعتقدنا أن القانون جاء من فوق " بينما قال أحد الأعيان : " طـُرحت مساواة تقاعد النائب براتب الوزير الأساسي بسرعة البرق ، وتم إقرار القانون بسلاسة غير معهودة " .
والتنفيع الذي تطرقت إليه آنفا هو ما ورد في المادة نفسها التي قالت حرفيا وأنا أقتبس هنا : " يكتسب الوزير وعضو مجلس الأمة حق التقاعد اذا بلغت خدماته المقبولة للتقاعد سبع سنوات، ويحسب الراتب التقاعدي لعضو مجلس الأمة على أساس الراتب الاساسي للوزير، وتسري أحكام المادة على من كان عضوا في مجلس الأمة بتاريخ 20-5-2010 " .
ما الذي يجعل نائبا يقضي في الخدمة سبع سنوات يتقاضى راتب وزير ، بينما لا يتقاضى خمس راتب الوزير مدير دائرة أفنى من عمره في الخدمة العامة عشرين سنة وأكثر ، فما بالكم بالموظف البسيط ، مع أخذنا بعين الإعتبار أن النائب " يداوم " بعدد ساعات أقل ، وبعد رفع الجلسة ينهي بعضهم ، وأقول " بعضهم " يومه في " طق الحنك " دون أن ننسى بأن سجل الحضور والغياب يحوي يوميا عشرات الأسماء ، بل إن بعض النواب لم يحضر سوى جلسة أو جلستين في الدورة الأستثنائية الأخيرة التي ستنفض نهاية هذا الشهر .
الملك تنبه لهذا الأمر ، فرفض التوقيع على القانون وأعاده إلى الحكومة التي حضرت جلسة إقراره بكامل أعضائها ، خاصة وأن الجلسة ضمت الأعيان والنواب معا .
وإذا عدنا إلى سجال سابق حول صلاحيات الملك ، فلقد انتقد البعض التعديلات الدستورية التي خولت الملك تعيين مدير المخابرات وقائد الجيش مباشرة ، ولننظر ونتأمل برفض الملك لقانون التقاعد ، ولنسأل أنفسنا : ماذا لو لم يكن من صلاحية الملك رد القانون ، ماذا ستكون النتيجة ؟ .
إنه الظلم بعينه ، وقديما قيل " " العدلُ أساسُ المُلك " .
د . فطين البداد