وقفة هادئة وسريعة مع مشروع قانون موازنة 2015
إذا كان تقرير وكالة Standard & Poor's Financial Services LLC وهي إحدى أكبر وكالات التصنيف الإئتماني في العالم رفعت تصنيف الأردن من سالب إلى مستقر ، فإن هذا الامر كان مدعاة للإحتفال والإحتفاء من قبل وزير المالية السيد أمية طوقان والحكومة من خلفه .
والوكالة المذكورة مختصة كما هو معروف في تصنيف الدول القادرة أو غير القادرة على الوفاء بالتزاماتها ، بالإضافة طبعا إلى قضايا أخرى ، غير أن الأردنيين تلقوا الأسبوع الفائت بشرى سارة من قبل وزير المالية الذي قرأ أمام النواب خطاب موازنة 2015 ، مذكرا بتقرير الوكالة الذي صدر قبل أيام .
إذا كان خيار الطاقة البديلة الذي بدأته الحكومة وسواه ، أحد الأسباب التي أوردها التقرير في تصنيفه ، فإن الصحيح أيضا أن من الأسباب التي حسنت وضع الأردن في اللائحة هو تعرفة الكهرباء التي وعد الوزير بتعديلها مرة أخرى العام القادم .
ويذكر معاليه أنه وفي جلسة مغلقة في إحدى قاعات مجلس الأمة حضرها عدد من النواب ورئيس الحكومة وبثتها المدينة نيوز في حينه بالفيديو ، تحدث عن ضرورة تعديل قانون الضريبة ، وفي ما بعد دفع مشروع القانون فعلا إلى المجلس ، ويعلم الوزير ، ونعلم نحن أيضا ، أن هذا القانون كان أحد أهم الإستحقاقات التي يتوجب إنجازها ، وقد عقدت جلستان نيابيتان : صباحية ومسائية في آخر يوم من عمر الدورة الإستثنائية الأخيرة ، فـ " هرب " النواب من تحت القبة وفقدت الجلسة المسائية نصابها وتم تأجيل نقاش مشروع القانون إلى الدورة العادية التي بدأت قبل أيام .
وبذلك ، فإن تعديل مشروع قانون الضريبة ، وتعديل تعرفة الكهرباء ، والسياسة المالية التي يصفها الوزير بـ " الإصلاحية " هي التي تجعل النمو الذي يتحدث عنه في خطابه تحصيل حاصل ، ولكن اين تكمن المعضلة ؟ .
قلنا أكثر من مرة ، وقال معنا المواطن الأردني : إنه لا تعنيه الأرقام والتصنيفات بقدر ما يعنيه انعكاس ذلك عليه مباشرة : على أبنائه وعياله وعلى السوق والمدرسة وعيادة الطبيب وأجرة الحافلة وعداد التاكسي وأسعار الخضار واللحوم ، ناهيك عن الدواء المفقود في العيادات العامة وأسعار الدواء التي ترتفع تباعا " على السكيت " في القطاع الخاص .
فإذا كانت شركة الكهرباء الوطنية - مثلا - لم تحسن أوضاعها بهبوط سعر برميل النفط إلى أرقام غير مسبوقة ، فمتى سيشعر المواطن العادي أن هبوط أسعار النفط انعكس على خزان سيارته وجيبه في محطات المحروقات .
ولأن مساحة المقال لا تتسع لمناقشة مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لعام 2015 ، فإني أكتفي بتبسيط الأمر للقارئ العادي والمثقف :
إن ارتفاع النمو الذي تحدث عنه وزير المالية لم يأت من اجتراح حكومته المعجزات ، أبدا ، بل لأن القضية يفهمها كل ذي صلة بالمال والأعمال :
باختصار : في حالة كحالة الأردن الإقتصادية ، فإن ارتفاع معدلات النمو تعني ارتفاع أرقام البطالة ، وهذه ليست نكتة :
إن الحكومات ( في حالة الأردن كما قلنا ) تعمد إلى تجميل صورة اقتصادها أمام الوكالات والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي وغيره ، وتحصل فعلا على أرقام نمو حقيقية ، مع أنها في حقيقتها لم تقم إلا بتخفيض الإنفاق ، ورفع الدعم عن السلع التي تدعمها ، وهذا يعني توفير نفقات توضع في خانة الإيرادات ، ومع استمرار جني الضرائب ، حتى لو كانت نفسها ، فإن ما ينتج عن هذه الحركة هو تحسن في أرقام النمو ، وزيادة في الإيرادات وتخفيض للنفقات ، وكل ذلك على حساب ارتفاع البطالة وحساب الخدمات والصحة ولقمة عيش المواطن وكل مناحي الحياة .
أرأيتم كيف أن الأمر ليس بحاجة إلى عالم اقتصاد ليشرح لنا كيف تحسنت أرقام النمو في الأردن ؟ .
أي أن ارتفاع نسبة النمو ليس سوى " كلام فارغ " .
د. فطين البداد