عمان " البلد " وعمان الكبرى
تعبرك صور وذكريات عن عمان : شوارعها ، سياراتها العمومية الـ " مرسيدس " القديمة ، جبالها السبعة ، قاع المدينة ، شارع الطلياني ، أمانة العاصمة بالقرب من فندق فيلادلفيا ، المدرج الروماني ، بائع الفستق السوداني في " دخلة " سوق الذهب ، بوابة وحارس البنك العربي ، كشك أبو علي ، الدرج - أي درج - سينما بسمان ، بائع الخروب مقابل ساحة المسجد الحسيني ، ذات الساحة بما فيها من عطور باكستانية و" عود الأراك " ومسابح وبخور .. وبما أنك وصلت إلى هنا ، فلا بأس من ولوجك سوق السكر ، و " حسبة الخضار " ،والإنصات لغمغمات المتسوقين وصيحات الباعة .
لقد كبرت المدينة ، وباتت مترامية الأطراف ، وأصبحت تدعى " عمان الكبرى " وها هي أسواقها الحديثة ومطاعمها الطازجة و" قعداتها " العصرية وأماكنها المخملية ، تستقطب روادا جددا لم يمروا بحقبة : مطعم هاشم ، وقهوة السنترال و " أبو موسى " و " " سوق الحرامية " و مشاوي" العناقيد " على الرصيف في طلوع المصدار .
زمان ، عندما كنت َ " تنزل على البلد " كنتَ تقف على الشارة الضوئية " الجديدة " أنت والعشرات ، وعندما كنت تلج السوق - أي سوق - كنت تحرص أن لا تضيع في العتمة .
كانت " البلد " مزدحمة ، وكان كل شيء بسيطا ، بما فيها وقوفك على الدور في " حلويات حبيبة " القديمة لتلتهم نصف أوقية كنافة " خشنة " بعد ساندويش " كبدة " .
لقد غابت المدينة عن المدينة ، وباتت المحلات خربة ، والشوارع شبه خالية .
ما بين قاع المدينة بالأمس ، وعمان اليوم مسافات ومديات ، وما بين إنسان عمان اليوم ، وإنسانها الأمس مسافات ومديات أيضا .
لا أخفيكم أنني وفي أغلب إجازاتي إلى الأردن ،أفعل ما كنت أفعله صغيرا عند عودتنا إلى الأردن في إجازة : أزور " منفردا " قاع المدينة " البلد " أدور حيث كنت أدور طفلا يتسلل في الزحام .
...
" البلد " هي " البلد " والمدينة هي المدينة ،
ولكن :
أين ذهب الزحام ؟ .
د. فطين البداد