نواب الأردن : يا رايح كثر ملايح !
كما هو معروف ، فإن اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية المقبلة سيكون في الخامس عشر من تشرين ثاني " نوفمبر " المقبل ، وفي ذلك التاريخ وبعد الإفتتاح سينتخب مجلس النواب رئيسه الجديد وفقا للمادة 69 من الدستور ، حيث يجوز أن يعاد انتخابه ، أعني الرئيس المنتهية فترة ولايته ، لتبدأ - من ثم - جداول الأعمال ومشاريع القوانين وغيرها بعد ترتيب بيت البرلمان الداخلي .
لقد حدد الدستور الأردني عمر المجلس بأربع سنوات وحدد فترة الرئاسة بسنة شمسية كاملة ، في حين حدد الدورة العادية بستة شهور ، أي أننا أمام زمن كاف ليميز الناس الصالحين من الطالحين ، والفاعلين المتحمسين ممن هم خُشب مسندة تعجبك أجسامهم ومشاغباتهم وصراخهم تحت القبة ، بينما لا تتعدى إنجازاتهم الصفر المكعب .
ولكي لا " يزعل " مني نائب أو نائبة ( ربما أواجه باحتجاج على تأنيث المفردة ) فإنني سأتحدث بشكل عام ، وأزعم أن الرأي العام الأردني يكاد يكون فقد ثقته بأغلب نوابه ، ليس لأنه انتخبهم فخذلوه ، بل لأنه انتخبهم فانقلبوا عليه ، وتقفز إلى دائرة الحضور في الذهن مشاريع القوانين" الجدلية " التي باتت قوانين نافذة بعد أن أقرها المجلس العتيد ، مع أن بعضها يحتاج نصف أو ربع دورة على الأقل من النقاش لأهميتها ، ولكن بعضها تم سلقه بدون قراءات ونقاشات وافية ، بل وبعضها بدون نصاب ، وإذا استعرضنا تلاوة أمين عام المجلس للمواد والفقرات المراد التصويت عليها وكلمة " موافقة " التي يرد بها النواب على سؤال الرئاسة لرأينا العجب العجاب في كيفية التصويت على مشاريع القوانين ، ومن أجل ذلك فإنه لا يعتد بالتقارير التي تصدر نهاية كل دورة متضمنة " حجم " القوانين التي أقرها المجلس ، وحجوم نشاطات النواب من بيانات ومذكرات ومؤتمرات صحفية وتصريحات وغيرها ، طالما أنه لم يؤرشف كيف أقرت ، وبأية سرعة ، ولا انعكاسات هذه القوانين على العامة سلبية كانت أم إيجابية .
كما وإن النواب الحاليين ( لا أتحدث عن الجميع ) هم أنفسهم من ترصدهم الأمانة العامة ،في تقرير يوزع نهاية كل جلسة على وسائل الإعلام ، يحدد أسماء المتغيبين والحاضرين ، في ظاهرة باتت تتكرر عبرتصرف لا يرسخ لدى الناس والقواعد أي انطباع عن احترام النواب للمواطنين ، أو أنهم " قابضينهم جد " كما يقول المثل ، وإلا ، فهل يعقل أن يغيب عن جلسة واحدة 75 نائبا ونائبة ، في ظاهرة باتت تتكرر ، دون أن يحفل هؤلاء المتغيبون بأن أسماءهم تنشر في وسائل الإعلام وعلى رؤوس الأشهاد .
إن على النواب المحترمين ، وإذا أرادوا أن يخرجوا منها سالمين غانمين ، فما عليهم إلا " تجليس " انفسهم ، فالأمر لا يحتاج مطرقة ولا فرنا حراريا ، بل جلوس لدقائق مع الضمير ، واعتبار الرواتب التي يتقاضونها نتاج تعب وجهد وأمانة حافظوا عليها ، وليس نتاج " حق مكتسب " أو " وجاهة فارغة " سرعان ما تتلاشى وتنتهي ( أكرر أنني أتحدث عن البعض ) .
من أجل هذا ، وغيره الكثير مما لا يتسع المجال لذكره ، يسأل الأردنيون : هل النواب المتغيبون والعاطلون عن العمل هم من سيحددون مصير أهم مشروع قانون سيناقشونه في الدورة العادية القادمة ، وهو قانون الإنتخاب ، أم أن كثيرا من النواب الحاليين " زعلانين " على وفاة الصوت الواحد الذي أتى بهم إلى البرلمان .
إن على النواب مهمة جسيمة ، هي إقرار مشروع قانون حلم به الشعب طويلا ، دون أن نغفل بأن كثيرا مما حواه هذا المشروع بحاجة لغربلة ونقاش مستفيض .
إن على النواب الأفاضل أن يعوا بأن التاريخ لا يرحم ، وإن حركاتهم وسكناتهم تحت القبة وخارجها محسوبة عليهم : فهناك إعلام يسجل ، وعيون ترصد ، ومن أجل أن الإنتخاب القادم سيكون على القوائم ، فإني أذكر النواب المحترمين بالمثل الأردني الشهير : " يا رايح كثر ملايح ".
د. فطين البداد