النسور في الميزان
كانت كل المؤشرات تقول : إن مغادرة النسور للدوار الرابع باتت تحصيل حاصل ، وهذا ما كتبناه ذات مقال بعد قراءتنا للإرادة الملكية بدورة برلمانية استثنائية تضمنت قانونا واحدا هو قانون ( صندوق الإستثمار ) والتي كانت مؤشرا على اقتراب التغيير ورحيل الحكومة .
المهم : رحلت الحكومة وجاء الملقي واختير النسور الخميس لعضوية مجلس الأعيان ، شأنه شأن أغلب من سبقه ، ومن الآن فصاعدا سيجلس النسور على ذات المقاعد التي جلس فيها النواب الذين قارعهم وقارعوه بعد أن وقف أمام الأعيان أنفسهم رئيسا للحكومة مدافعا عن مشاريع القوانين التي أقر أغلبها ، بينما يقف على المنصة رئيس الحكومة الجديد هاني الملقي ، وعما قليل ستدور الأيام ويجلس الملقي مشرّعا شأنه شأن غيره .
كما قلت في مقالي السابق ، فإن أمام الملقي ملفات صعبة ونتمنى له النجاح فيها ، ولكن ، وبما أن النسور أصبح خارج الرئاسة الآن ، فإن من العدل والإنصاف القول : بأن الرجل كان وطنيا حينما خاض غمار تشريعات رئيسية ، وكان وطنيا حينما خاض غمار ارتفاعات الأسعار لأسباب يعلمها الإقتصاديون وذوو الشأن فقط ولا يعرفها العامة ، من حيث الضغوط التي تثقل كاهل الموازنات ، ، أيا كانت آراء منتقديه وأنا أحدهم لقناعتي بوجود بدائل، وكان وطنيا في ترجمة كتاب التكليف ، وبشهادة الملك .
فقد شكل النسور حكومته قبل ثلاث سنوات ونصف تقريبا في ظل ما يعرف بالربيع العربي ، وسط تقلبات إقليمة ودولية وتداعيات على الحدود وفي الداخل ، لدرجة أن رسالة قبول جلالته لاستقالة النسور تضمنت عبارات ثناء لم تتضمنها رسالات ملكية أخرى لرؤساء آخرين ، حتى أن الملك خاطبه قائلا : " جزاك الله عنا وعن هذا الوطن كل الخير " وهي عبارة لها ما لها في قاموس الثناء الملكي على أي مسؤول في الدولة .
وللحق : فإن النسور ، بتوجيهات ملكية ، تمكن من إنجاز منظومة سياسية واقتصادية من قوانين استراتيجية لا يمكن العبور إلى المستقبل إلا بها ، فلقد أنجز قوانين : الإنتخاب ، والتعديلات الدستورية ، واللامركزية ، والبلديات ، والنزاهة ، وقانون الأحزاب ، والإستثمار وضريبة الدخل ، وقانون صندوق الإستثمار الذي هو آخر قانون أنجزته حكومته ، وإذا كنا نختلف معه في كثير من القضايا والعديد من مواد القوانين المذكورة ، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول : إن جل ما فعله كان ضرورة فرضتها الحاجة ، خاصة تلك القرارات والقوانين غير الشعبية ، والتي جلبت عليه سخطا مجتمعيا شاملا ، وتحديدا عقب انغماسه في ارتفاعات الأسعار وإغراقه الأردنيين بالضرائب المرئية وغير المرئية، دون أن نغفل بأن سياساته الإقتصادية " طفشت " المستثمرين ورؤوس الأموال في انتظار ما سيجلب القانون الذي أقر في عهد حكومته من رؤوس أموال ينتظرها الجميع .
لقد جاء النسور إلى الحكومة والأوضاع الإقتصادية في الحضيض ، ولم يكن أمامه إلا ما فعل ، فمن حقه أن نقول عنه ما قلناه ، ومن حقنا أن نسجل عليه ما سجلناه .
ولا يجب أن ننسى بأن حكومة الملقي ليست سوى حكومة " قطار " يسير على " سكة "القوانين " التي أنجزها من سبقه ، ومن هنا فهي حكومة تنفيذية بامتياز ، بينما كانت حكومة النسور تشريعية وتمهيدية لما سيأتي بعدها .
عموما ، ولأن النسور خارج السلطة الآن ، فإني أقول له مخلصا : يعطيك العافية ، ومن يعمل يخطئ ، ولكل جواد كبوة ، ولكنك كنت صارما وتحكم بعقل وحكمة ، وبمثل هذه الثلاثية ، تساس الأمور ، وتنجز القضايا الصعبة .
د. فطين البداد